الثانوية الاعدادية مولاي ادريس الاول بوسكورة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الثانوية الاعدادية مولاي ادريس الاول بوسكورة

من علمني حرفا صرت له عبدا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإنسان المتكامل في القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
yass22
عضو(ة) شرف(ة)
عضو(ة) شرف(ة)
yass22


عدد المساهمات : 88
تاريخ التسجيل : 22/02/2011
الموقع : www.vipak.webobo.biz

الإنسان المتكامل في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: الإنسان المتكامل في القرآن الكريم   الإنسان المتكامل في القرآن الكريم I_icon_minitimeالأربعاء 16 مارس 2011 - 13:38

- محاضرة بالمؤتمر العالمي عن الإرشاد والعلاج النفسي من المنظور الإسلامي،
- "الإنسان المتكامل في القرآن الكريم" (بالانكليزية). تنظيم: الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا كوالالمبور-ماليزيا:15-17 يوليو 1997.


مقدمة:
قد يكون من الممتع حقا أن نؤكد أن معرفة الخالق تساعدنا على معرفة المخلوق، كما أن معرفة المخلوق حق المعرفة تساعدنا على معرفة الخالق. وليس هدفنا في هذه الدراسة إثبات وجود الله؛ فنحن نؤمن إيمانا قاطعا وجازما بوجوده، ونشهد بوحدانيته وربوبيته. ولكن ما نقصده هو فهم صفاته الرائعة كما وصف نفسه في كتابه الكريم، وفهم مخلوقاته العجيبة والعظيمة والتي ليست إلا جزءا بسيطا من تجلى عظمته تعالى. وعليه، فإن عظمة الكون وعظمة الإنسان من عظمة الله تعالى وإن كانت عظمة هذه الكائنات ليست إلا جزء بسيطا -لا يكاد يذكر- بالقياس إلى عظمة الخالق سبحانه وتعإلى.
ولا شك، أن منهج القرآن في إثبات وجود الله قائم على دعامتين أساسيتين:
1- إثبات وحدانية الله تعالى وتفرده بالصفات والأسماء الحسنى.
2- توجيه إدراك الإنسان إلى ضرورة التأمل في مخلوقات الله تعالى بدلا من التأمل في ذاته تعالى؛ وذلك لهدفين متكاملين: الأول؛ ويتمثل في الاستدلال على وجود وعظمة الله تعالى. والثاني، ويتمثل في العمل على تسخير الطبيعة للإنسان -كما أراد الله تعالى- لشكره على نعمه الظاهرة والباطنة، وعبادته حق العبادة.
ولاشك، أن معرفة الإنسان لأسرار نفسه، ومعرفة بعض أسرار الكون المحيط به تؤديان به إلى معرفة أكبر وأعمق بخالقه وخالق الكون. وقد حث الله تعالى الناس على التأمل في الكون وفي أنفسهم حتى يتبين لهم الحق تبارك وتعإلى.
وكإسهام في دراسة المخلوقات ارتأينا دراسة صفات الإنسان انطلاقا من القرآن الكريم كمصدر من مصادر تحصيل المعرفة، وقد ارتأينا استعراض هذه الصفات كما جاءت في القرآن الكريم على قدر فهمنا النسبي لنصوص القرآن الكريم.
والهدف من هذه الدراسة هو الوصول إلى استجلاء صفات الإنسان وفهمها كما وصف هذا الإنسان -من طرف خالقه في القرآن الكريم "عاريا"- دون أقنعة ودون عمليات تجميل وتنميق وتبديل لخلق الله.
ولا غرو، فإن مفهوم الشخصية في لغات مثل الإنجليزية والفرنسية Personality"" مشتق من أصل لاتيني "Persona" ويعنى بهذا المفهوم الأخير القناع الذي يوضع على الوجه أثناء الأداء المسرحي. فهل يدرس علم النفس الحديث حقيقة الإنسان أم يدرس الأقنعة التي يضعها الإنسان على وجهه وعلى سلوكه بصفة عامة ؟ ليس المقام هنا مقام الإجابة عن هذا السؤال الهام بصفة مباشرة. ولكن إطلاعنا على وصف الإنسان في القرآن الكريم سيبين لنا كيف أن الإنسان قد وصف دون أقنعة ودون تجميل …بينما سنخصص فصلا كاملا لكيفية وصف الإنسان في علم النفس الحديث.
- وصف الإنسان في القرآن الكريم:
وصف الله تعالى الإنسان بعدة صفات يبدو أن بعضها (جبلي) وراثي، بينما بعضها الآخر مكتسب بالتعلم والتأثر، ومن الممكن اكتسابها وتعديلها وتغييرها بل ومحوها. ويلاحظ المتمعن في هذا الوصف مدى واقعيته وجلائه. وتتجلى واقعية هذا الوصف في وصف الإنسان -كما هو-؛ أي الإنسان بصفاته السلبية من جهة وبصفاته الإيجابية من جهة أخرى.
ونحن نؤكد على هذا الوصف الواقعي لكي يكون هذا النوع من الوصف نموذجا منهجيا للبحث العلمي في علم النفس وغيره من العلوم من منظور إسلامي بدلا من الاعتماد المستمر على الحدس وتفسير النصوص تفسيرا لغويا وعقليا دون اللجوء إلى استقراء الواقع والوصول انطلاقا من عمليات الاستقراء إلى صياغة قوانين ونظريات حول السلوك الإنساني وخصائص الشخصية الإنسانية. ولا يعنى هذا أبدا الاستغناء عن النصوص بل كل ما ندعو إليه هو القيام بعملية تكاملية يتم فيها الانتقال من النصوص إلى فهم الواقع ومن الواقع إلى فهم النصوص.
ومن الصعب أن نستنتج فيما إذا كان الإنسان قد وصف في القرآن الكريم سلبيا أكثر مما وصف إيجابيا لأن المعتبر في التقويم ليس الجانب الكمي فقط لورود الصفات السلبية والإيجابية بل هو الجانب النوعي. وبتعبير آخر، فان إحصاء الآيات الكريمة التي وصفت الإنسان قد يبين لنا أن الإنسان قد وصف سلبيا أكثر مما وصف إيجابيا إلا أن اعتبار الجانب النوعي أو الكيفي في الوصف الإيجابي للإنسان مثل "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" ومثل " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" ومثل "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ... " ، ومثل قوله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} يجعل من الصعب الاستنتاج أن الإنسان قد وصف سلبيا أكثر مما وصف إيجابيا.
وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن وصف الإنسان في القرآن الكريم قد لا يكون سلبيا أو إيجابيا وإنما عبارة عن وصف لواقع ونفسية الإنسان مثل قوله تعالى: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" (آل عمران:14).
ومهما يكن، فإن استعراض الآيات الكريمة التي تعرضت للإنسان بالوصف الدقيق قد يجلى بعض الغموض في هذا الجانب.
ومن الملاحظ، أن تصوير الإنسان في القرآن الكريم يتصف بالواقعية؛ فالإنسان يتعلم ويتذكر وينسى، وأنه يأثم ثم يندم ويستغفر ويتوب وأنه ينفعل ويفعل ويتفاعل؛ ولذا فقد يكون جحودا وكنودا وجزوعا وصابرا ومصابرا، وقد يصبح مؤمنا وكافرا ومنافقا، وشقيا وسعيدا وكريما وبخيلا ويضحى هلوعا، جزوعا، وغير ذلك من الصفات والصفات المرتبطة بتكوين الإنسان من الناحية الجبلية أو البيولوجية، والمرتبطة بسعي الإنسان في الحياة الدنيا، ومصيره يوم الدين.
ولا يعنى وصف القرآن الكريم للإنسان وصفا واقعيا؛ أي الإنسان كما هو في الواقع بصفاته السلبية والإيجابية، أن القرآن الكريم قد أهمل وصف الإنسان كما ينبغي أن يكون بل الصحيح هو العكس؛ إذ أن الهدف من نزول الفرقان وإرسال الرسل والأنبياء هو الارتقاء بسلوك وأخلاق الإنسان من مرتبة بسيطة (طبيعية) إلى رتب ومراتب متدرجة في العلو والارتقاء، والحسن والإحسان.
ومما ينبغي التنبيه إليه، أن تناول (مقاربة) هذه الدراسة ليس تناولا معياريا بل هو عبارة عن تناول قائم على الاستقراء التام لألفاظ القرآن الكريم التي لها علاقة بالإنسان كموضوع للوصف سواء كان ذلك بإيراد صفات مباشرة أو بإيراد جوانب أو أعضاء ترتبط بصفات معينة مثل ارتباط صفة الزيغ وما ينجم عنها من سلوك بالقلب.
وعليه، يمكن أن أورد فيما يلي صفات الإنسان في القرآن الكريم حسب التصنيف الآتي:
1- صفات الإنسان (النوع) : ويمكن توزيع هذه الصفات إلى صفات سلبية وصفات إيجابية، كما يمكن توزيعها إلى صفات تتعلق بالخلق وإلى صفات خلقية (بكسر الخاء)؛ وإلى صفات وراثية (جسمية وغير جسمية)، وصفات غير وراثية (مكتسبة) سواء كانت جسمية أم غير جسمية؛ وغالبا ما ترتبط هذه الصفات بأنواعها المختلفة بالسلوك والأنماط المتعددة للشخصية.
ومن الممكن أن تتوزع الصفات السلبية والإيجابية، والصفات الوراثية وغير الوراثية إلى:
1- صفات جسمية (تتعلق مثلا بالجانب الوراثي، النمو الجسمي)
2- صفات روحية (تتعلق أصلا بالإيمان بالغيب وإيمان بالعمل الصالح)
3- صفات نفسية (تتشعب إلى: عقلية، وجدانية، سلوكية)
4- صفات خلقية (بضم الخاء) ( مثل جانب القيم في السلوك: الشجاعة، الكرم)
ورغم أهمية دراسة كل الجوانب المذكورة أعلاه لفهم مختلف الأبعاد التي تكون الإنسان المتكامل الأبعاد والجوانب والوظائف، فإن الذي يهم علماء النفس أساسا هو الصفات النفسية المتعلقة بالعمليات العقلية والوجدانية والسلوكية.
لقد ذكر الله تعالى في سورة النساء في خطاب موجه إلى جميع بنى البشر بأنهم خلقوا من نفس واحدة وبث منها رجالا كثيرا ونساء. {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}، كما ذكر سبحانه وتعإلى أن خلق آدم كان من طين لازب، ومن حمأ مسنون. أما أصل التناسل بعد هبوط وحواء من الجنة فهو الزواج الذي يؤدى إلى خلق الإنسان من نطفة "من ماء مهين".
وأصل الخلق هذا (من طين) هو الذي دفع إبليس للتمرد على أمر الله تعالى عندما أمره بالسجود لآدم؛ إذ أن إبليس قد خلق من نار، وقد اعتقد أن أصل خلقه أكرم من أصل خلق آدم.
2- صفات الإنسان المسلم: ويشترك مع الإنسان غير المسلم في الصفات الوراثية أساسا ويختلف عنه في كثير من الصفات غير الوراثية؛ أي النفسية والخلقية.
3- صفات الإنسان المؤمن: ويشترك مع الإنسان غير المسلم في الصفات الوراثية كما يشترك مع المسلم في بعض الصفات ويختلف عن كل واحد منهما أيضا. ومن الجدير أن نلاحظ أن الاختلاف بين الإنسان المؤمن والإنسان غير المسلم وغير المؤمن اختلاف نوعي، بينما اختلافه مع الإنسان المسلم اختلاف في الدرجة وليس في النوعية إذ يجمع بينهما التوحيد وكثير من العمل الصالح.
4- صفات الإنسان المحسن: ويشترك مع المذكورين أعلاه في بعض الصفات ويختلف عنهما أيضا حيث إن اختلافه عن الإنسان غير المسلم وغير المؤمن وغير المحسن اختلاف نوعي بينما اختلافه مع الإنسان المسلم والإنسان المؤمن اختلاف في الدرجة وليس في النوعية.
وباختصار، يمكن وصف العلاقة بين شخصية المسلم وشخصية المؤمن وشخصية المحسن بأنها علاقة ثلاث مجموعات متداخلة بشكل عمودي ويمتد من أدناها إلى أعلاها هرم تقع في أدناه الصفات القاعدية لكل من الشخصيات الثلاث وتتربع على قمته خصائص شخصية المحسن التي تتميز عن شخصية المؤمن والمسلم ، وتتوسطه شخصية خصائص المؤمن التي تشكل بدورها قاعدة ثانية لشخصية المحسن.
5- صفات الإنسان الكافر: ويشترك مع الإنسان المسلم والمؤمن والمحسن في الصفات الوراثية ويتباين عنهم تباينا نوعيا في عدد غير قليل من الصفات.
6- صفات الإنسان المنافق: ويشترك مع الإنسان المسلم والمؤمن والمحسن في قليل من الصفات الظاهرية خصوصا. ويشترك مع الإنسان الكافر في كثير من الصفات إلا أنه يختلف اختلافا نوعيا في صفاته العقلية والوجدانية عن الإنسان المسلم والمؤمن والمحسن.
وفي الواقع، فإن هذا المبحث في اختلاف صفات الإنسان حسب التقسيم المذكور أعلاه قد يندرج في مبحث "الشخصية" ، أو علم النفس الاجتماعي؛ لأن العبرة هنا ليس الاختلاف في الصفات من الناحية النظرية بل الأهم في علم النفس هو دراسة مدى التشابه أو الاختلاف في السلوك بين أفراد أو جماعات ما على ضوء الواقع؛ أي واقع سلوك هؤلاء الأفراد والجماعات.
الإنسان في القرآن الكريم:
القرآن الكريم كله دعوة للإنسان من أول آية إلى آخر آية منه. ومن الصعب حصر الآيات التي تتحدث عن الإنسان، أو الآيات التي تتوجه بالخطاب إلى الإنسان وإلى الناس جميعا، إلا أنني اتبعت في هذه الدراسة أسلوبا بسيطا -بهدف حصر الموضوع- و قد تمثل هذا الأسلوب في محاولة إحصاء واستقراء الآيات التي وردت فيها كلمة "الإنسان" أو "الناس" أو "قوم"، واستجلاء معانيها.
بلغ عدد تكرار كلمة "الإنسان" في القرآن الكريم 58 مرة. أما كلمة "الناس" فقد بلغ تكرارها 182 مرة بينما كلمة "قوم" وردت 126 مرة، ووردت كلمة "القوم" 62 مرة، هذا عدا ورود كلمة "قومه" 36 مرة، وكلمة "قومك" 9 مرات، وكلمة "قومهم" 7 مرات، وكلمة "قومي" 5 مرات. وفي كل هذه الآيات إشارات إلى الإنسان بصفة فردية، وإلى الإنسان في تفاعله مع الآخرين.
ولعل تفاعل الإنسان مع "القوم" -كما ورد ذلك في عدة آيات في القرآن الكريم- يشكل قاعدة لاستخلاص الأسس النظرية للتفاعل الاجتماعي؛ وهو من مواضيع علم النفس الاجتماعي، من منظور إسلامي.
إذا تأملنا مجموع الآيات التي ورد فيها ذكر كلمة "الإنسان" فإننا نلاحظ ارتباطها بالمواضيع الآتية:
1- أصل خلق الإنسان: لقد وصفت عدة آيات عملية خلق الإنسان؛ فمنها ما يصف خلق آدم عليه السلام من صلصال كالفخار، وكيف نفخ الله فيه من روحه، ومنها ما يصف خلق الإنسان (تناسل بنى آدم) من نطفة أومن ماء مهين.
أ) خلق آدم: من آيات الله في الكون خلق آدم؛ إذ أن هذا المخلوق لم يكن شيئا مذكورا. وفي هذا المعنى يقول تعالى:{أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا} مريم:67. وينص القرآن الكريم أن خلق الإنسان لم يكن من عدم بل من طين لازب، ومن صلصال، ومن حمأ مسنون. وقد ذكرت عدة آيات من باب التذكير عملية الخلق وعظمة الله في ذلك. يقول تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون} الحجر:26. ويقول تعالى:{خلق الإنسان من صلصال كالفخار} الرحمن:55. ويذكر تعالى أنه سوى الإنسان ونفخ فيه من روحه. يقول تعالى:{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} الحجر:29. ويذكر الله تعالى الإنسان بأنه قد خلقه في أحسن تقويم. يقول تعالى{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} التين:4. ويقول أيضا:{يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك} الإنفطار: 6-8.
ب) تناسل الإنسان: ونقصد بهذا الجانب عملية تناسل بنى آدم بعد هبوط آدم وحواء إلى الأرض. وقد ذكرت عدة آيات خلق الإنسان من نطفة من باب التذكير والإخبار قبل اكتشاف المخابر. يقول تعالى:
" أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين" يس:77. ويقول تعالى:"أيحسب الإنسان أن يترك سدى، ألم يكن نطفة من مني تمنى" القيامة36-37. ويقول تعالى في سورة الإنسان: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا" الإنسان:2.
وفي الواقع، فإن هناك آيات أخرى حول خلق الإنسان وتناسله ونموه في الرحم وبعد الولادة، وليس المقام هنا مقام حصر كل هذه الآيات. ومهما يكن، فإن خلق الإنسان الأول (آدم) قد تميز بعدة خصائص أهمها:
- لم يكن الإنسان -قبل خلقه- شيئا مذكورا.
- لم يخلق الله تعالى آدم من عدم بل خلقه من طين لازب (الجانب المادي أو الفيزيائي في الإنسان).
- نفخ الله تعالى من روحه في آدم؛ وفي هذا تكريم للإنسان لتمييزه عن بقية الكائنات (الجانب الروحي في الإنسان).
- خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم. يقول تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} التين:4. ولكن الإنسان بسبب كفره وعصيانه قد رده تعالى إلى أسفل سافلين. وقد استثنى الله تعالى من هذا الرد "الذين آمنوا وعملوا الصالحات". ويبدو أن الإيمان والعمل الصالح هو أساس الاستثناء في جميع الأحوال التي وصف الله تعالى فيها الإنسان بالصفات السلبية كما سيأتي أدناه. وعليه، فإن وصف الإنسان بالصفات السلبية إنما ينطبق أساسا على الإنسان الذي يعصى الله تعالى أما أساس الخلق فقد كان في أحسن تقويم وفي أحسن صورة. يقول تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير} التغابن:2.
- تكريم آدم بسجود الملائكة له بأمر من الله تعالى.
- تكريم بنى آدم بحملهم في البر والبحر (والجو) ورزقهم من الطيبات. يقول تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} الإسراء:70.
- تسخير الطبيعة للإنسان: يقول تعالى:{ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} لقمان:20.
وقد بلغ عدد الآيات التي تتحدث عن تسخير البحر والأرض والسموات وما فيها للإنسان خمس آيات؛ أي الآيات التي وردت فيها كلمة "سخر". أما معاني التسخير في القرآن فأكثر مما ذكر.
- لم يدع الله تعالى الإنسان وحيدا في هذا الكون الفسيح بل زوده بالعقل للتمييز بين الأمور،كما زوده بالهداية والرسالة: "وهديناه النجدين" البلد:10.
- إذا تأملنا بعض الآيات التي تصف الإنسان وصفا سلبيا فإننا نلاحظ أنها تبدأ بفعل "خلق" مبنيا للمجهول مثل "إن الإنسان خلق هلوعا ..." ، وبعض الآيات تبدأ بفعل ماض ناقص مثل قوله تعالى:
{ وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}، بينما يقول تعالى :{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}؛ فهو ينسب إليه عملية الخلق في أحسن تقويم. وإلى جانب هذه الآية هناك آية أخرى في سورة البلد:{ لقد خلقنا الإنسان في كبد}؛ والمقصود بهذه الآية -كما جاء في تفسير الجلالين- هو أن الله تعالى قد خلق الإنسان ليكابد أي ليواجه مصائب الدنيا وشدائدها.
وهذا الوصف واقعي جدا إذ أن المطلوب من الإنسان في هذه الدنيا هو بذل الجهد والسعي لاكتساب الرزق وتعمير الأرض؛ حيث هو مستخلف فيها.
والمتأمل لهذه الآيات يلاحظ أيضا عدم وجود أية آية تبدأ ب "خلق" أو "خلقنا" أو "كان" عندما يكون المقصود بالوصف سلوكا معينا مثل الظلم حيث لا نجد آية واحدة تقول "و لقد خلقنا الإنسان ظلوما" مما يعنى أن بعض الصفات والخصائص المرتبطة بالسلوك خصائص مكتسبة بمختلف أشكال وأنماط التعلم كالتقليد والاشراط وغير ذلك، وليست خصائص موروثة.
وبناءا عليه، فإن مسئولية الإختيار؛ أي اختيار أي سلوك تقع على الإنسان وليس على أحد غيره. ولا يمكن للإنسان أن يحاجج الله تعالى يوم القيامة بأنه خلق ظلوما وخلق كافرا وخلق منافقا فكيف يحاسب على شيء غير مخير فيه. ولكن ابتلاء الإنسان وامتحانه قد بينا فشل الإنسان في عدة أحوال وحالات ومواقف سواء كان ذلك في عالم الغيب؛ عندما ابتلى الله سيدنا آدم في الجنة فنسي، أم على أديم هذه الأرض حيث قام الإنسان بسفك دماء أخيه الإنسان (قتل قابيل لهابيل)، والفساد في الأرض وكأن الله -سبحانه وتعإلى- قد خلق الإنسان عبثا وأنه (الإنسان) لا يرجع إليه. فما هي أهداف خلق الإنسان؟



أهداف خلق الإنسان:
- خلافة الله في الأرض واستعمارها حسب سنن الله في الكون.
- عبادة الخالق، الله تعالى في الأرض: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني"
n امتحان الإنسان في هذه الدنيا لينال جزاءه فيها أو في الآخرة أو في كل منهما. يقول تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وهو العزيز الغفور" الملك:2.

خصائص الإنسان في القرآن الكريم

يمكن تصنيف هذه الخصائص بصفة عامة إلى صفات سلبية وصفات إيجابية، والملاحظ أن كل الصفات الإيجابية مترابطة ومتكاملة مع بعض، وكذلك الأمر بالنسبة للصفات السلبية. وفيما يأتي عرض لهذه الصفات كما جاءت في القرآن الكريم. وينبغي أن أؤكد هنا أن الصفات تكون أحيانا عبارة عن سمات ثابتة وغالبة أي دائمة ومسيطرة على سلوك الشخص أي تصبح هي التي تطبع سلوكه العام بينما تكون أحيانا أخرى سمات مؤقتة.
ومهما كانت هذه الصفات أو الجوانب التي ترتبط بها هذه الصفات مثل بعض الأعضاء كالقلب أو الوظائف مثل الخلافة فإنها ترتبط ولو نسبيا بالسلوك.
أ- الصورة الإيجابية:
قد يبدو للوهلة الأولى أن الإنسان قد وصف سلبيا أكثر مما وصف إيجابيا، إلا أنه من الصعب الجزم بذلك انطلاقا من خلال عدد الآيات وتكرارها فقط بل إن التحليل النوعي والموضوعي إلى جانب التحليل الكمي قد يجلى بعض الغموض في هذا الموضوع. وقبل أن أستعرض وصف الإنسان في القرآن الكريم فإني أشير إلى أن ما أعرضه ليس إلا أهم مميزات الإنسان كما جاءت في القرآن سواء جاءت هذه المميزات في شكل صفات مباشرة أو غير مباشرة. وفيما يأتي عرض لبعض الآيات التي وصفت الإنسان وصفا إيجابيا:
1- الخلافة: لقد كرم الله تعالى الإنسان بأن جعله خليفة في الأرض حيث يقول تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" البقرة:30. ويقول في آية أخرى يتبين منها معنى الخلافة المقصودة هنا وشروطها: "يا دوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" ص:26.
2- الإيمان والعمل: يتبين من استقراء القرآن الكريم أن الإنسان قد زود بالقدرة -اختيارا- على الإيمان وما يترتب عنه من عمل صالح أو العكس كما سنرى ذلك فيما بعد.
ذكر الإيمان (على مستوى الجذر) 879 مرة، بينما ذكر العمل (على مستوى الجذر) 360 مرة. ورغم ارتباط الإيمان بالعمل في معظم آيات القرآن الكريم فإن العمل قد يتخلف عن الإيمان. ويتضح هذا المعنى من قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" الصف:1-2.
3- التعقل: لقد كرم الله تعالى بنى آدم بالعقل؛ فالإنسان كائن عاقل، وقد جعل الله تعالى في الأرض آيات لقوم يعقلون، وقد مدح الله تعالى القوم الذين يعقلون. ويرجع تكريم بنى آدم وتفضيله على كثير مما خلق الله تعالى إلى العقل (انظر تفسير القاسمي).
وقد وردت كلمة "يعقلون" في القرآن الكريم 22 مرة، وكلمة "تعقلون" 24 مرة. والملاحظ أن الإشارة إلى العقل في القرآن الكريم لم ترد أبدا بصيغة الاسم أي "عقل، العقل" كما لم يستعمل الفعل بصيغة المفرد بل استعمل بصيغة الجمع فقط؛ وهذا يدل حسب فهمى على ما يأتى:
1- لا يوجد في الإنسان عضو معين اسمه العقل.
2- العقل عملية ووظيفة (التعقل) وليس هيكلا أو بنية.
3- العمليات العقلية عمليات جماعية وليست فردية؛ أي أن الفرد (المنعزل) لا يمكن أن يقوم بعمليات عقلية عليا كالإستدلال والاستقراء إلا إذا كان بإلهام من الله تعالى أو بوحي منه. وإذا تأملنا مجمل الآيات التي وصفت العمليات العقلية في القرآن فإننا نجد عددها كبيرا جدا. وقد وردت هذه العمليات باستعمال فعل "عقل" في الماضى مرة واحدة -وبصيغة الجمع أيضا-؛ وذلك في قوله تعالى:
{أ فتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}. أما في المضارع فقد ورد هذا الفعل إما باستعمال ضمير الغائب في حالة الجمع "هم" -يعقلون- أو باستعمال ضمير المخاطب في حالة الجمع "أنتم": -تعقلون-.
وهكذا، فقد ورد بالصيغة الأولى "يعقلون" 22 مرة، وورد بالصيغة الثانية "تعقلون" 24 مرة.
حاولت رصد المواقف التي استعمل فيها فعل "يعقلون" و"تعقلون"، فحددت الجوانب والمواقف الآتية:
- التأمل في الطبيعة وظواهرها. سورة البقرة:164، الرعد:4، النحل:12و 67.
- نعي تقليد الآباء تقليدا أعمى لأنه يتنافي مع الاختيار الواعي. البقرة:170.
- نعي عدم استعمال الحواس؛ وذلك لارتباط استعمالها بالعمليات العقلية العليا، وارتباط عدم استعمالها بالضلال وخطأ الإدراك. البقرة:171
- ارتباط الإستهزاء واللهو بعدم استعمال العقل. المائدة:58
- ارتباط افتراء الكذب على الله بعدم استعمال العقل. المائدة:103
- علاقة الإيمان بالله واستعمال العقل. يونس:100
- ارتباط العملية العقلية بالقلب. الحج:46.
ولاغرو، أن ترتبط العمليات العقلية والإنفعالية بالقلب؛ فهو العضو الذي يزود الدماغ وبقية الأعضاء بمصدري الحياة: الغذاء والهواء (الأكسجين) بواسطة الدم الذي يسرى في جميع شرايين وأوردة البدن. ولربما في عملية الإرتباط هذه أسرار لم يكتشفها العلم الحديث بعد.
- تشبيه الذين لا يسمعون والذين لا يعقلون بالأنعام بل هم أضل لأن الأنعام تستعمل سمعها فيما فيه مصلحتها. الفرقان:44 ؛ فالأنعام مثلا تستجيب للمنبهات السمعية والبصرية في بيئتها وفق غرائزها التي زودت بها لحمايتها من أعدائها ولتلبية حاجاتها الأساسية لحفظ النوع.
- علاقة الفسق بعذاب الله كقانون اجتماعي للذين لا يعقلون. العنكبوت:35
- ارتباط السلوك المنافي للذوق والآداب العامة بعدم استعمال العقل. الحجرات:4
- تفرق القلوب وتشتتها إلى حد الإقتتال مما يتنافي مع تحكيم العقل. الحشر:14
وإلى جانب مفهوم العمليات العقلية في القرآن الكريم فإن مفاهيم أخرى مرتبطة بالتفكر مثل "يتفكرون" قد تكررت عدة مرات في القرآن الكريم؛ فقد تكرر الفعل "يتفكرون" 10 مرات، و "تتفكرون" 3 مرات. وهذا يدل على قدرة الإنسان على التفكر والتفكير في القضايا المرتبطة بعالم الشهادة (الطبيعة).
وكذلك مفهوم "الألباب" الذي ورد في القرآن الكريم بصيغة الجمع فقط، وقد تكرر 16 مرة. وقد اقترن هذا المفهوم بالعلم و بالتذكر في أغلب الآيات؛ وذلك حسب التوزيع الآتى:
- علاقة التذكر بأولى الألباب: {وما يذكر إلا أولي الألباب} البقرة:269، سورة آل عمران:7، الرعد:19، إبراهيم:52، ص:43
- فهم الظواهر الطبيعية من طرف أولى الألباب. الزمر:21
- عدم الإغترار بكثرة شيء ما. المائدة:100
- استخلاص العبرة من القصص (الظواهر السابقة سواء كانت اجتماعية أم طبيعية).
- تدبر القرآن والتذكر. ص:29
- عدم استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون. الزمر:9
- اتباع أحسن القول بعد الاستماع. الزمر:18
أما مفهوم النهى فقد ارتبط في القرآن الكريم بظاهرتين إحداهما حيوية-وظيفية والأخرى تاريخية:
يقول تعالى :"كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى" (طه:54).
ويقول تعالى:"أ فلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى" (طه:128).
4- القلب: وردت في القرآن الكريم كلمة "قلوب" 15 مرة وكلمة "القلوب" 6 مرات. أما بصيغة المفرد فقد وردت كلمة "القلب" بالتعريف مرة واحدة، وكلمة "قلب" مرتين. وقد ارتبط استعمال مفهوم القلب في القرآن الكريم بمعان وأحوال نفسية مختلفة … وفيما يأتي العمليات والأحوال التي ترتبط بالقلوب أو القلب كما جاءت في القرآن الكريم:
- دور الإيمان والذكر في اطمئنان القلوب. يقول تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب" الرعد:28.
- دور القلوب في العمليات العقلية: "أ فلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو إذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" الحج:46. ويقول تعالى: "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم إذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" الأعراف:179.
- تقلب القلوب والأبصار يوم القيامة وخوف المؤمنين من ذلك. النور:37.
- ارتباط الفزع الشديد والرعب بالقلوب. "… وبلغت القلوب الحناجر" الأحزاب:10. وغافر:18. "سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين" آل عمران:151.
- ارتباط الإشمئزاز بالقلب: "وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالأخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون" الزمر:45.
- ارتباط السكينة بالقلب: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ما إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما" الفتح:4.
- ارتباط الرحمة بالقلب:"ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون" الحديد:27.
- علاقة الزبغ بالقلب: يقول تعالى: "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم: التوبة:117.
- ارتباط عدم الفهم بانغلاق القلوب: يقول تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" محمد:24.
- ارتباط الفظاظة والغلظة بالقلب: "فبما رحمة لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" آل عمران:159.
ورغم إيرادي للمعاني والأحوال المرتبطة بالقلب كما جاءت في ظاهر الآيات الكريمة، فإني أؤمن بأن مفهوم "القلب" قد استعمل في القرآن الكريم كما استخدم في الحديث الشريف ليعنى به العضو الموجود بالصدر وليعنى به جانب معنوي في الإنسان حيث يساعده هذا الجانب في عمليات الفهم والإيمان والإنفعال.
5- السمع والبصر: يقول تعالى: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا" الإنسان:21. إن السمع والبصر من الوظائف الأساسية لاكتساب المعرفة سواء كانت هذه المعرفة واردة عن طريق الوحي أم مكتسبة بواسطة العقل. وقد تكرر فعل "بصر" و"أبصر" بصيغة "يبصرون" 11 مرة، و"تبصرون" 9 مرات، و"أبصر" مرتان. وكذلك مفهوم "الأبصار" 9 مرات، و "بصائر" 5 مرات. ومن الواضح جدا من القرآن الكريم أن للإنسان مجال يبصره كما أن مجال بصره محدود؛ إذ أن هناك أشياء في هذا الكون لا يبصرها. يقول تعالى:"فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون" الواقعة:38-39. وإلى جانب هذا نلاحظ في القرآن الكريم دعوة الإنسان للنظر في الآفاق وفي النفس. يقول تعالى: "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون" الذاريات:20-21. وقوله تعالى:
"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" فصلت:53. وقد تكررت الدعوة لاستعمال النظر (النظر العقلي والملاحظة) مرات عديدة في القرآن الكريم؛ وذلك في تكرار فعل "نظر" في المضارع بصيغة الجمع "ينظرون" 25 مرة، و "تنظرون" 7 مرات. والملاحظ أن الدعوة لاستعمال الملاحظة والبصر والنظر تشمل الظواهر الطبيعية والنفسية والاجتماعية وغيرها. تأمل معي الآيات الآتية وارتباطها بمختلف الظواهر:
- يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. النور:44.
- قد كان لكم في آية فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. آل عمران:13.
- هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار. الحشر:2.
نلاحظ في الآية الأولى أعلاه دعوة للتأمل وملاحظة الظواهر الطبيعية، بينما الآية الثانية دعوة للتأمل في ظاهرة نفسية-حربية، أما الآية الثالثة فدعوة للتأمل في ظاهرة نفسية-سلوكية (انفعالية)؛ تبين كيف يؤدى الرعب إلى إحباط المعنويات وتشوش الذهن واضطراب السلوك إلى حد التدمير الذاتي. بل إن المتأمل مجمل الآيات التي تدعو الإنسان للتأمل والملاحظة واستعمال الرؤية المباشرة أو غير المباشرة (العلم) لتبين له أن القرآن كله دعوة لملاحظة الظواهر التي ترتبط بالخلق والحياة والنفس والكون بصفة عامة. انظر مثلا صيغة "أو لم يروا" في القرآن الكريم؛ فقد تكررت هذه الصيغة 12 مرة. وقد ارتبطت هذه الصيغة في القرآن الكريم بالظواهر الآتية:
n بدء الخلق وإعادته (العنكبوت:19).
n خلق السموات والأرض وإحياء الموتى (الأحقاف:33).
n قوة الله أشد من قوة الأمم الطاغية (فصلت:15).
n إهلاك القرون وعدم رجوعها (يس:36).
n سقوط بعض الأجرام من السماء (الطور:44).
n خلق الأنعام للناس (يس:71).
n إخراج الرزع من الأرض الجرز تأكل منه أنعام الناس وأنفسهم (السجدة:27).
n إنبات الأزواج من الأرض (الشعراء:7).
n طيران (الطيور) (الملك:19) و (النحل:79).
n بسط الرزق لمن يشاء الله ويقدر (الروم:37).
n السكون والسكينة في الليل والإنشغال بالنهار (النمل:86)
n الحرم الآمن وتخطف الناس من حوله (العنكبوت:67).
n وضع أجل لا ريب فيه لبني البشر 0الإسراء:99).
n ظلال الأشياء وسجودها (النحل:48).
n إنقاص الأرض من أطرافها (الرعد:41).
n اتخاذ العجل إلها من طرف بني اسرائيل رغم أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا (الأعراف:148).
n تكبر الكاذبين و الغافلين عن آيات الله، واتباعهم سبيل الغي بدلا من سبيل الرشد (الأعراف:146).
n رؤية الآيات وعدم الإيمان بها من طرف الكافرين الذين جعل الله على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي إذانهم وقرا (الأنعام:25).
n إهلاك أمم سابقة بذنوبها رغم تمكينها في الأرض بطريقة لم يمكن بها الذين آمنوا (الأنعام:6).
n تسخير ما في السموات والأرض والنعم الظاهرة والباطنة للناس (لقمان:20).
n خلق سبع سموات طباقا (نوح:15).
n وبالإضافة إلى ورود صيغة الجمع " ألم يروا، ألم تروا"، فقد وردت هذه الصيغة في شكل خطاب للرسول (ص): "ألم تر …"؛ وذلك 31 مرة. وكل ذلك دعوة لملاحظة ظواهر النفس والمجتمع والأمم والطبيعة، ولتأمل قضايا ماوراء الطبيعة (عالم الغيب) تأملا ليمكن من استخلاص العبر؛ وهذا المبحث في حاجة إلى دراسة أخرى معمقة.
n وبالاضافة إلى التنبيه إلى أهمية البصر الذي تكرر فعله على مستوى الجذر (148) مرة، فقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية السمع في تحصيل المعرفة إلى جانب البصر والعقل والشعور والألباب والنهى حيث ذكر فعل سمع في القرآن الكريم على مستوى الجذر (185) مرة.
n والملاحظ أن السمع غالبا ما يقترن بالبصر بل إن استقراء آيات القرآن الكريم يبين أن السمع يأتي دائما قبل البصر. ولعل لنمو السمع قبل نمو البصر عند الجنين دخلا في ذلك؟ وهذا موضوع في حاجة إلى بحث وتعمق قبل التسرع في استخلاص النتائج.
6- العلم والتعلم: {علم الإنسان ما لم يعلم} العلق:5. ويقول تعالى أيضا في هذا المعنى: {وعلم آدم الأسماء كلها...}. وقد أكرم الله تعالى الإنسان بتعليمه الأسماء وبتعليمه البيان. يقول تعالى في سورة الرحمن: { الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان} الرحمن:1-4.
7- التذكر: وهو ما يقابل سمة من الصفات السلبية عند الإنسان وهي النسيان. يقول تعالى: {وقال الذي أدكر من بعد أمة ...}. وقد ذكر الله تعالى عملية التذكر عدة مرات في كتابه العزيز على النحو التإلى:
يتذكرون : 7 مرات وكل الآيات التي ورد فيها هذا الفعل بصيغة الجمع قا سبقت ب "لعلهم"، ومن ذلك قوله تعالى:{... ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} إبراهيم:25. وقوله تعالى:{وإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون".
تتذكرون: 3 مرات، وهذه الآيات دعوة للتذكر؛ إذ تأتى بالسياق التإلى: أفلا تتذكرون.
يتذكر: 7 مرات، وقد ارتبد استعمال هذا الفعل بصيغة المفرد في المضارع بالتأكيد على ارتباط عملية التذكر بأولى الألباب. {... وما يتذكر إلا أولوا الألباب}.
8- الهداية والإلهام: {وهدينه النجدين} البلد:10. فالإنسان بإلهام من الله تعالى يستطيع التمييز بين الخير والشر؛ وذلك عن طريق العقل وعن طريق الكتب والرسل. وقد ذكر الله تعالى النفس السوية؛ وهي النفس المميزة بين التقوي والفجور؛ بحيث تصبح نفسا زكية إذا اتبعت سبيل التقوى، وتضحى نفسا خائبة إذا سقطت في هاوية الفجور. يقول تعالى: {ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} الشمس:7-10.
9- الروح: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين} الحجر:29. وقد وردت نفس الآية في سورة ص: 72. تبين هذه الآية أن الله تعالى قد خلق آدم وسواه جسما وروحا فأمر الملائكة بالسجود له تكريما لخلق الله تعالى. ولعل نسبة الروح لله تعالى -كما تبينه هذه الآية- هي من الأسباب التي جعلت "الروح" من الأسرار التي استأثر بها الله تعالى بها في عالم الغيب، ومن الأسباب التي تفسر قوله تعالى -والله أعلم- في محكم تنزيله {ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. وإنه لشرف عظيم للإنسان أن يكون قد نفخ الله فيه من روحه تعالى.
وإذا تأملنا هذا المفهوم في القرآن فإننا نجده قد تكرر مرتين نسبة لله تعالى "روحي" كما جاء ذلك في سورتي: الحجر و ص. وورد مرتين بصيغة التعريف "الروح": {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليل} الإسراء:85. والمقصود في هذه الحالات هو جوهر الحياة أو ما يحيا به البدن، وهو نفس المعنى المستعمل عندما نفخ الله تعالى الروح في السيد المسيح "ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين" التحريم:12.
وقد ورد هذا المفهوم (الروح) في القرآن الكريم ليعنى به "جبريل" عليه السلام خمس مرات. وعليه، يمكن القول بأن هذا المفهوم قد استعمل في القرآن الكريم بمعان متعددة؛ فهو أحيانا يستعمل ليعنى به جوهر الحياة أو مصدر الحياة في الجسم؛ وهذا المصدر أو الجوهر بالتعبير الفلسفي ليس من السهل دراسته دراسة مخبرية أو تجريبية إلا بطرق غير مباشرة . ولكن من الممكن دراسة بعض الجوانب القليلة من هذا الجانب. ولعل هذا القليل المتصل به هو الدراسة الحيوية أو البيولوجية للإنسان وكيف أن حياة الإنسان تختلف عن حياة الحيوان والنبات. ويبدو أن هذا الميدان العلمي (البيولوجيا) الذي يقع بين العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية من الناحية المعرفية والتطبيقية هو علم مايزال حديثا جدا، ولما تزال معلومات واكتشافات الإنسان فيه قليلة، وسوف تزداد معارف الإنسان في هذا الجانب مع التقدم العلمي في مجالات البيولوجيا وعلم الأعصاب وما يتصل بذلك من العلوم.
ومهما بلغت الإكتشافات في هذا الجانب أو سوف تبلغه فإنها لن تعدو كونها اكتشافات قليلة. "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". وبدون شك، فإن التقدم العلمي في هذا الجانب سيساعد الإنسان على فهم نفسه أكثر سواء كان ذلك من الناحية الجسمية أم من النواحى الحيوية والعقلية والروحية. وعليه، فإنه من الجدير الإهتمام بهذا العلم وتطوير البحث فيه. وقد بين الله تعالى أنه سيرى الناس آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق من ربهم.
وأحيانا أخرى يورد هذا المفهوم ليعنى به الجانب الإيماني في الإنسان، وهذا جانب من الممكن دراسته دراسة موضوعية قائمة على الملاحظة بناء على قاعدة دراسة الظواهر دون السرائر؛ لأن الله تعالى هو الذي يتولى هذه الأخيرة ولا أحد غيره. وإنه قد يكون من نافلة القول التأكيد أن الإيمان والعمل (السلوك) لا ينفصلان في الإسلام بل إن القول والعمل لا ينبغي أن ينفصلا أو أن يتناقضا. وفي هذا المعنى الأخير يقول تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون} الصف:3-4.
وباختصار، فإن الجانب الروحي عند الإنسان سواء كان بالمعنى الأول أم بالمعنى الثاني من الأهمية بمكان. ولاشك أنه جانب عظيم في تكوين الإنسان وتشكيل شخصيته. كيف لا ، وقد نسب الله تعالى الروح الذي نفخه في الإنسان إليه "من روحي" مرتين في القرآن الكريم.
وللمزيد من التفاصيل في المواضيع المرتبطة بالروح والنفس يمكن الرجوع إلى كتاب ابن القيم "الروح"؛ وفيه تفصيل لمفهوم الروح ولمفهوم النفس وما يرتبط به من المفاهيم كالنفس المطمئنة وأحوالها والنفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء وأحوالهما أيضا، وغير ذلك من المواضيع المرتبطة بالجانب الروحي؛ التي تبتعد عن اهتمامات علم النفس الحديث الذي يعتمد أساسا على مناهج البحث العلمي القائمة على الملاحظة والوصف والتجريب والتحليل والاستنتاج.
وبالإضافة إلى مجمل هذه الصفات فقد وصف الإنسان بأنه ذو لب وقلب وفؤاد؛ أي أنه كائن ذو أبعاد روحية وعقلية وحسية ووجدانية وجسمية متفاعلة ومتكاملة؛ ولا يمكن عزل بعد من هذه الأبعاد عن بقية الجوانب إلا بهدف التعمق في فهم جانب ما على أن يرجع الباحث مرة أخرى للتفسير المتكامل لهذه الأبعاد.
ب- صورة الإنسان السلبية:
هناك جملة من الآيات الكريمة التي تصف الإنسان بأنه خلق (بضم الخاء) بعدة صفات كلها سلبية مثل: خلق الإنسان هلوعا، خلق الإنسان ضعيفا، خلق الإنسان من عجل، كما أن بعض الآيات تصف الإنسان بصفات سلبية مبتدئة الوصف بفعل ماض ناقص (كان) أو بفعل ماض مبني للمجهول.
وسأبين فيما بعد بأن هذه الصفات سواء كانت إيجابية أم غير إيجابية قابلة للتغير والتغيير؛ وذلك بالتربية والتعليم والتعلم وبالإيمان والعمل الصالح.
والملاحظ -من الناحية اللغوية- أن وصف الإنسان في القرآن غالبا ما يجىء بصيغة مبالغة على صيغة "فعول" و "أفعل". وفيما يلي عرض لأهم صفات الإنسان السلبية التي وردت في القرآن الكريم:
1- الضعف: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} النساء:28. والضعف قد يكون جسميا كما قد يكون وجدانيا أو عقليا أو كل ذلك أو بعض ذلك؛ وهو ملازم للإنسان في كل مراحل عمره وخاصة في المرحلة الجنينية، ومرحلة الطفولة، ومرحلة الشيخوخة، وعند المرض والمواقف الصعبة والحرجة بل وحتى في بعض المواقف العاطفية. والملاحظ أن وصف الإنسان بالضعف في هذه الآية لم يأت في شكل قدح أو ذم بل جاء في شكل شفقة ورحمة على الإنسان بحيث يريد الله تعالى -وهو أعلم بعبده- أن يخفف عن الإنسان ولا يحمله فوق مالا يطيق. وهذا ما يفسره قوله تعالى:{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} الأنفال:66. والضعف المقصود في الآية ضعف جسمي ونفسي. ومما يدعم ضعف الإنسان جسميا ونفسيا ارتباط هذا الضعف بمختلف مراحل نموه من الولادة إلى الشيخوخة؛ وهذا ما توضحه الآية الآتية في سورة الروم: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} الروم:54.[AJ1">
وقد أورد الزمخشري في تفسير هذه الآية "...وخلق الإنسان ضعيفا" ما يلي:
"لا يصبر على الشهوات وعلى مشاق الطاعات. وعن سعيد بن مسيب: ما أيس الشيطان من بنى آدم قط إلا أتاهم من قبل النساء، فقد أتى علي ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشو بالأخرى، وأن أخوف ما أخاف علي فتنة النساء".
ويدل سياق الآية -كما يقول الزمخشري- "أن الله تعالى قد خفف على المؤمنين بإحلال نكاح الأمة ونكاح بنات الخال والخالة والعم والعمة دون أن يميلوا ميلا عظيما باستحلال الزواج من بنات الأخ والأخت، وهو ميل عن القصد والحق واتباع الشهوات."
وتبين الملاحظة مدى ضعف الإنسان أمام الشهوات وخاصة الشهوات المرتبطة بالجنس والمال والسلطة؛ وقد أصبح هذا الضعف متمكنا في الإنسان إلى حد قد يوصف بأنه طبيعة إنسانية. وفي هذا المعنى يقول تعالى: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" آل عمران:14. وقد أصبح معروفا مدى ضعف الإنسان أمام الشهوات والرغبات وضعفه تحت تأثير الإنفعالات بحيث أضحت تستعمل هذه الأحوال النفسية لإغراء الإنسان والإيقاع به في الحروب النفسية وفي الإشهار.
وقد ورد فعل "زين" مبنيا للمجهول -في القرآن الكريم- إحدى عشرة مرة، وقد ورد الفعل في كل هذه المرات في صيغة الذم، وورد فعل "زين" مرة واحدة مبنيا للمعلوم (الشيطان)؛ وذلك في قوله تعالى:" وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برىء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب" الأنفال:48. وورد فعل "زينا" نسبة لله تعالى أربع مرات.
وإذا تتبعنا مصدر ضعف الإنسان فإننا قد نجده يعود إلى المصدر الفيزيائي الذي أنشأه الله منه وهو الطين، كما أن الله تعالى قد أراد أن يبين لآدم مدى ضعفه لكيلا يغتر بعلمه وبسجود الملائكة له وبمجمل خصائصه الإيجابية التي حباها الله به فامتحنه في الجنة ففشل في الامتحان؛ ويعود الفشل إلى الضعف أمام شهوة الخلود والملك الذي لا يبلى.
ولعل حب السلطة ومظاهر القوة واحتكار سلطة اتخاذ القرار من طرف كثير من الناس والأنظمة يعود إلى هذا الأصل؛ أصل الضعف أمام الشهوات والانفعالات.
والمفترض هو أن عوامل الضعف الأساسية هذه (الجسمية والنفسية) وتفاعلها مع عوامل الضعف المرتبطة بالبيئة التي واجهها الإنسان ويواجهها عبر العصور مثل الخوف من العطش والجوع والحر الشديد والبرد القارس والحيوانات المفترسة وغير ذلك من الظواهر كلها عوامل تفاعلت وتضافرت لتزيد من ضعف الإنسان بحيث يصبح الضعف الجسمي والنفسي ملازما لشخصيته وكأنه جزء فطري من طبيعته.
2- النسيان: يبدو أن النسيان آفة مرتبطة بالإنسان منذ أن خلق؛ وهذه صفة أساسية في الإنسان إلى حد أنه روي عن ابن عباس أنه قال: إنما سمي الإنسان لأنه
عهد إليه فنسي. يقول تعالى:{ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما} طه:115.
ومعروف أن النسيان هو السبب المباشر لتمكن غواية إبليس في آدم وزوجه؛ فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها طمعا في الخلد والملك الذي لا يبلى كما وسوس إبليس إليهما. والملاحظ أن النسيان الذي ينسب أحيانا إلى الشيطان غالبا ما يعبر عن ضعف الذاكرة وعدم الاهتمام بالموضوع المنسي؛ أي أن النسيان مرتبط أيضا بالدافعية. وكم من فرد تقرر مصيره نهائيا سلبا أو إيجابا بسبب نسيانه معلومات معينة في الامتحان مثلا أو عند اتخاذ قرار مهم في موضوع معين.
ويمثل النسيان -من الناحية الرمزية على الأقل- أول فشل للإنسان في أول اختبار يتعرض له في العالم الآخر. وليس هذا الفشل في الاختبار إلا تأكيدا على ضعف الإنسان وحدود علمه. فبالرغم من تفضيل الإنسان على كثير ممن خلق الله، ورغم سجود الملائكة له بأمر الله، ورغم تعليم الإنسان ما لم يكن يعلم، ورغم أن العلم لا يكون بدون ذاكرة… فإن هذا الفشل بفعل النسيان يبين حدود ذاكرة الإنسان وحدود علمه، وحدود تفضيله.
والظاهر أن هناك علاقة بين النسيان والاستعجال؛ فاستعجال الخلود، واستعجال الملك الذي لا يبلى هو الذي غطى على ذاكرة آدم فنسي أمر الله تعالى له ونسي تحذيره له بعدم الأكل من الشجرة… وهذا يدلنا أنه مهما كان النعيم الذي يرفل ف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
othmane xp
عضو(ة) شرف(ة)
عضو(ة) شرف(ة)
othmane xp


عدد المساهمات : 140
تاريخ التسجيل : 11/03/2011
الموقع : www.lichbona.webobo.biz

الإنسان المتكامل في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإنسان المتكامل في القرآن الكريم   الإنسان المتكامل في القرآن الكريم I_icon_minitimeالأربعاء 16 مارس 2011 - 13:48

بارك الله فيك اخي ياسين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإنسان المتكامل في القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الزمن العلم و القرآن الكريم : الأدلة العلمية على قوة القرآن الكريم
» تفسير القرآن الكريم .............
»  صفحة القرآن الكريم
»  فضائلُ أهل البيت في القرآن الكريم
»  أنواع الخطاب في القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثانوية الاعدادية مولاي ادريس الاول بوسكورة :: اخبار المؤسسة :: النقاش الجاد *(الرأي و الرأي الآخر)*-
انتقل الى: