الثانوية الاعدادية مولاي ادريس الاول بوسكورة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الثانوية الاعدادية مولاي ادريس الاول بوسكورة

من علمني حرفا صرت له عبدا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  دلالات تربوية على سورة الانفطار - فريق التوبة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
souhail sabbar
عضو(ة) شرف(ة)
عضو(ة) شرف(ة)
souhail sabbar


عدد المساهمات : 305
تاريخ التسجيل : 07/01/2011
العمر : 28
الموقع : souhail300@hotmail.fr

 دلالات تربوية على سورة الانفطار - فريق التوبة Empty
مُساهمةموضوع: دلالات تربوية على سورة الانفطار - فريق التوبة    دلالات تربوية على سورة الانفطار - فريق التوبة I_icon_minitimeالخميس 24 مارس 2011 - 15:59



الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات

أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله

واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات

والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات

وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا

أما بعد :

فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،

وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار

ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ






بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



أوَّلا: وصف السورة مشاهد انفراط عقد الكون لترسخ في أذهان العباد تنبيهًا لهم وترقيقًا لقلوبهم:

يقول سبحانه: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾ [الانفطار: 1، 3].



وصف المولى - سبحانه - حالَ السماء وقت قيام الساعة بعدَّة أوصاف، فذكر أنَّها تتشقق وتنفطر وتكون وردةً كالدهان، ذلك أنَّ السَّماء هي المشهد الذي لا يغيب أبدًا عن أنظار العباد، وأي اضطراب يحدث لها يؤثر بلا شكّ على أهل الأرض، بل إنهم يترقبون يوميًّا أحداث الطقس وأحوالها؛ لما في ذلك من تأْثير مباشر على حياة الناس، بيْدَ أنَّه وقت قيام الساعة تختلف صورة السماء؛ إذ يأتي هذا اليوم والسَّماء ليست كطبيعتها، إذ قد آن وقتُ فنائها.



هل تموت السماء؟

لا شك أنَّها صورة تقذف الرُّعب في قلوب الناظرين، يقول الله - تعالى - متحدِّيًا الإنسان بخلقه للسماء قائلا: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ [النازعات: 27، 28]، فماذا يكون وقْع انفطار السَّماء وتشقُّقها وبداية انهيارِها عليه؟ إنَّه حقًّا مشهد يملأ الكون رعبًا وفزعًا، يقول سبحانه: ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ﴾ [المزمل: 17، 18].



ويصاحب انهيار السماء تفكُّك الكواكب والنجوم، إنَّه إيذان بانهيار منظومة السَّماء بأكملها، بل إنَّه ترقّب لسقوط أحد هذه الكواكب على الأرض فيدمِّرها، إنَّه يوم فزع يوم ترقّب لإنهاء حياة الكون، انفرط عقده، فأضحت الكواكب تسير في غير مدارها والنجوم على غير هدى، إنَّ سبب حركة المدّ والجزر في البحار والمحيطات دوران القمَر حول الأرض، فهل يستمرّ هذا الدَّوران، إنَّ القمر في هذا اليوم يخرج عن مساره وكذا سائر الكواكب والنجوم، فماذا يحدث عندئذٍ للبحار؟ إنها تنفجر، إذ لا مدَّ ولا جزر، نعَم انفرط عقد الكون.



يقول الإمام البقاعي: "أي: تفجيرًا كثيرًا بِزوال ما بينها من البرازخ الحائلة بفيضها، وخروج مائِها عن حدوده، فاختلط بعضها ببعض من ملحها وعذبِها فصارت بحرًا واحدًا، فصارت الأرضُ كلُّها ماءً، ولا سماء ولا أرض، فأين المفرّ؟!".



نعم تتفجَّر البحار ولا غرْو، إذ تنفصل جزيئات الماء H2o فتكوِّن H2، O2، تتلاشى الرَّوابط التي تربط هذا الكون بعضه البعض، وعندئذٍ يتفجَّر البحر؛ لأنَّ الأكسجين يساعد على الاشتِعال، فمتى تمَّ الجمع بين الهيدروجين والأوكسجين كيميائيًّا فإنَّهما يفقدان خاصيتيهما لتكوين جزيء الماء، أمَّا حال الانفصال H2 وO2 فإنَّ كلَّ مادَّة تكتسب خاصيَّتها من جديد، وعندئذٍ يتفجَّر الماء لخروج الأُكسجين منفصِلاً عن الهيدروجين، وقد أشار المولى سبحانه إلى تلك القوى التبادُليَّة التي تُمسك النجوم والكواكب، والأجرام السَّماوية ونظام الكوْن كله في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].



إذًا؛ العقل يؤكد أنَّ هذا الأمر ليس بمستغرَب، بل إنَّ احتِمال حصوله يتوقَّف فقط على أن تتوقَّف قوى الجذب والطَّرد هذه التي تُمسك الأُكسجين مع الهيدروجين، تلك التي تُمسك الكونَ كلَّه في إطار مُحْكم، فمتى ترك المولى سبحانه الكون ولَم يُمسكه بقدرته كان هلاكه حتمًا محتمًا.



وهنا تقفز السورة قفزة كما فعلت سورة التكوير، إذ يلي هذه الأحداث لحظة الصعق والفناء التام، بيْد أنَّ السورة انتقلت بالقارئ إلى لحظة البعث بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴾ [الانفطار: 4].



والعلَّة في ذلك هي ذات العلَّة التي كانت في سورة التَّكوير، وهي أنَّ المولى - سبحانه - يَحكي لنا مشاهد القيامة التي سوف يراها شرار النَّاس، أمَّا لحظة الصعق هذه فإنَّها خاتمة هذا اليوم، آخر لحظات الدنيا، وبعدها يقبضها الله تعالى بيمينه؛ كما في الحديث عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقبض الله الأرض ويطوي السَّماوات بيمينِه، ثمَّ يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟))[1]، وفي رواية: ((يطوي الله - عزَّ وجلَّ - السَّماوات يوم القيامة، ثمَّ يأخذهنَّ بيده اليمنى ثمَّ يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبِّرون؟ ثم يطوي الأرَضين بشمالِه، ثم يقول: أنا الملِك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبِّرون؟))[2].



ثانيًا: إيحاء الله تعالى لنا بمشهد البعث والحساب:

يقول سبحانه: ﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 4 - 5].



أمَّا مشهد بعثرة القبور فإنَّه يعْني إحياء مَن فيها، إذْ يخرجون من الأجداث كما يخرج النَّبات من الأرض؛ يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ينزل الله من السَّماء ماء فينبتون كما ينبت البقل))[3]، وقد وصف الله تعالى هذا الخروج في أكثرَ من موضع مصورًا هذا الخروج في وقت واحد، وكأنَّهم جراد من كثرة انتشارِهم، فقال: ﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ﴾ [القمر: 7].



إنَّ بعثرة القبر تعني كذلك اندهاش الَّذين ينسلون منها، إذ يخرجون فزِعين بلا نظام ولا هوادة، إذ قد صدق وعْد الله وبُعِثوا بعد أن كانوا ترابًا؛ يقول المولى سبحانه: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 51، 52]، كما أنَّهم يخرجون من القبور على ما كانوا عليه في الدنيا؛ يقول سبحانه: ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ [المعارج: 43]، فمَن مات على الشرك بعث مشركًا، ومن مات على الإيمان بعث مؤْمِنًا، يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُبعث كلُّ عبد على ما مات عليه))[4].



وهكذا يتذكر الإنسان ما قدمتْه يداه في الدنيا؛ يقول المولى سبحانه: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 5]، نعم يتذكَّر الإنسان وأنَّى له الذكرى، إذ بعث على ما كان عليه، يتذكَّر ما قدَّم من خير أو شرّ، وما ترك أو أخَّر ولم يفعل، سواءٌ أكان حقًّا عليه أن يقدم أو يؤخر، فهو محاسب على أفعاله الإيجابيَّة وتلك السلبية على وجه سواء، فكما أنَّه محاسب على ما قدَّمه من أمور الطَّاعة أو المعصية، فإنَّ كلَّ ما انتهى عنْه من المحرَّمات أو قصَّر فيه من الطَّاعات فهو محاسب عليه أيضًا، ﴿ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾[الفجر: 23، 24].



ثالثا: نِعَم الله تعالى كنوز لا بدَّ من استخراجها واستخدامها في الطاعات، لا الاغترار بها والافتتان:

يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].



يُعاتب المولى - سبحانه - الإنسان لتمنِّيه على ربِّه دون أن يكلِّل تلك الأماني بالعمَل، فكم من أمنيَّة غرَّت صاحبها فظلَّ متمنِّيًا أن يطول به الأمل حتَّى يدرك التَّوبة والإنابة إلى الله، دون الإسراع في الطَّاعات، ففضَّل العمل لدار الدُّنيا ونسِي العمل لدار الآخرة؛ يقول سبحانه: ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [الأعراف: 51]، نعم الدنيا غرتهم، وكذا غرَّتْهم الأماني، فقد أشار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أنَّ أمل الإنسان خارج عن حدود أجله[5]: ((يقول الله - عزَّ وجلَّ -: أنَّى تعجزني ابن آدم وقد خلقتُك من مثل هذه، فإذا بلغت نفسك هذه - وأشار إلى حلقه - قلت: أتصدق، وأنَّى أوان الصدقة؟!))[6]، وكذا يكون غرور الشيطان لابن آدم؛ يقول سبحانه: ﴿ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [الحديد: 14]، ويقول الله سبحانه: ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].



إنَّ الذي يقطع على الإنسان اغتراره بالدنيا وانهماكه فيها، ويقطع عليه كثرة الأماني ويجعله يعتدل على الصراط المستقيم - هو تذكُّره بأنَّه مخلوق خلَقه الله تعالى وأحْسنَ في خلقه، ومنحَه من النعم والهِبات ما يقدر به على تنفيذ ما كلَّفه الله به من الطَّاعات، فكلٌّ ميسَّر لِما خلق له، فالغنيُّ يسَّره الله تعالى للصَّدقة، والفقير يسَّره الله تعالى للجَلد، والقوي يسَّره الله تعالى للجهاد، وضعيف البدَن يسَّره الله تعالى للثَّبات على الحق، وهكذا يخلق الله تعالى الإنسان فيحسن في صورته ويعدلها ويركِّبها حتَّى ييسره لما خلقه سبحانه له؛ يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قالوا: يا رسول الله، أفلا نتَّكل على كتابِنا وندع العمل؟ قال: ((اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خلق له))[7].



وإنَّما عليك - أخي الإنسان - أن تنظر في بديع صنع الله تعالى فيك، وكم من نعمة أنعم الله بها عليك، عليك أن تكتشف ذاتك ومواهبك وقدراتك حتَّى تسخرها في طاعة الله تعالى، إنَّها دعوة من الله تعالى لابن آدم لكي ينظر في نفسه، ويستخرِج منها الكنوز التي منحَهُ الله إيَّاها؛ ليستخدمها فيما أمره الله به، انظر كيف كان عمر بن الخطَّاب الفاروق الَّذي فرَّق الله به بين الحق والباطل، منحَه الله تعالى القوَّة والبطْش، فكان قبل إسلامه شديدَ القسوة على المسلمين، ولمَّا هداه الله للإسلام استعمل هذه القوَّة في الصَّدع بالحقّ، فقد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((اللهُمَّ أعزَّ الإسلام بأحبِّ هذَين الرَّجُلين إليك، بأبي جهل أو بعُمر بن الخطَّاب))، قال: وكان أحبهما إليه عمر [8].



وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كان إسلام عمر فتحًا، وكانت هجرتُه نصرًا، وكانت إمامتُه رحمة، ولقد رأيتُنا وما نستطيع أن نصلِّي إلى البيت حتَّى أسلم عمر، فلمَّا أسلم عمر قاتلَهم حتَّى تركونا فصلَّيْنا"[9].



رابعًا: منَّ الله تعالى على الإنسان بالحفظ رغم كفره وتكذيبه بدين الله تعالى:

يقول سبحانه: ﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 9 - 12].



نعم، ما أكثر التكذيبَ بالدين من أهله! انظر كَم من مرَّة ينكر بعض الذين يزعمون أنَّهم مسلمون أوامرَ الله تعالى، يريدون أن يُخْرِجوها من الدين، فكَم من حانقٍ على النِّقاب أو اللِّحية! وكم من منكرٍ لسنَّة بل أحيانا لفريضة! أليس ذلك عجيبًا أن يُكذَّب الإسلام من أهله؟! فاض الكيل بالمسلمين أن يُكذَّب بالدين ممَّن هم محسوبون على المسلمين.



ورغم بشاعة هذا الجرم وفظيع هذا الفعل، فإنَّ الله تعالى حفيظ عليهم، لا يزال يحفظهم ويرعاهم، نعم عندما تسمع قول بعْض الزَّنادقة أو المنافقين عندما يستهزئون بالدين ويستغلُّون ما أعطاهم الله من نِعَم - كالتَّمكين - لكي يُسيئوا للإسلام والمسلمين، ويبدلوا ويغيروا ما لا يجوز تغْييره ولا تبديله من دين الله تعالى، من أمور قطعية معلومة من الدين بالضرورة، عندما ترى هؤلاء على هذا الحال يكادُ يذهب بك الغيظ أن تُوقع عليهم عقوبة، نعم إنَّهم يستحقُّونها، لكنَّ المولى اللَّطيف الخبير يسبقك قبل هذا الحكم ليقول لك: لا، ليس ذلك هو العلاج، إنِّي بهم حفيظ، أحفظُهم وأرعاهم وأرزقُهم، فكيف بك أنتَ تريد أن تعاقبهم ولست أنت حفيظًا عليهم؟! يقول سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الشورى: 6]، نعم هم كفَّار ويستحقُّون العقاب من الله في الآخرة، أمَّا في الدنيا فما لم يُعْلِنوا الحرب صراحة على الإسلام والمسلمين، وليْس معهم تأْويل، ولو كان غير مقبولٍ طبعًا، فهنا يظلون في مأمن من أن تنالَهم سهام وليِّ أمر المسلمين، فها هي الملائكة الكرام الكاتبون يكتبون كلَّ فعل يحصونه عليهم، يعلمون كل شيء يفعلونه؛ يقول سبحانه: ﴿ وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴾ [النبأ: 28 - 30]، أي: لا تنس أنَّ الله تعالى رغْم حفظِه لهم في دار الدُّنيا إلاَّ أنَّه معاقب لهم في دار الآخِرة على كلِّ ما أحصَتْه الملائكة الكرام الكاتبون عليهم، من جرائم اقترفوها في حق دين الله تعالى.



خامسًا: الجزاء يوم الدين واقع مشهود وراجع لله وحده:

يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 13 - 19].



يؤكِّد المولى سبحانه أنَّ الجزاء في الآخرة، فالأمر إمَّا إلى جنَّة أو إلى نار، لا ثالثَ لهما، الأمر جِدُّ خطير، إنَّ المولى - سبحانه - يحذِّرُنا من الجحيم مؤكِّدًا أنَّه حقيقة لا مبالغة فيها، سوف يصلى الفجَّار هذا الجحيم يدخلون النار حتمًا، ومهْما وصفت النار فلن ندرك ماهيَّتها ولا حرَّها ولا عذابها، إنَّ أسلوب القرآن في التَّحذير من هذا العذاب توقظ القلب الغافل، الَّذي اغترَّ بالدنيا واغترَّ بكرم الله تعالى ناسيًا الحساب والجزاء؛ يقول سبحانه: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]، إنَّ مشاهد القيامة هذه ليست حلمًا أو كابوسًا قد يراود النائم فيستيقظ منه، إنَّه الحق، إنَّه اليقين، إنَّه حقًّا يوم الدين.



هنا في هذا اليوم ينصب المولى سبحانه ميزان العدل، فلا شفاعةَ ولا وساطة إلاَّ بإذنه، فقد أذن الله - سبحانه - للصيام والقرآن أن يشفعا، وأذن لنبيه محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يشفع لأمَّته التي سارت على دربه، ولا شفاعة في غير ذلك، ولا تزِرُ وازرة وزْرَ أُخرى؛ يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، وبالرغم من ذلك فقد بشرت السنَّة وبيَّنت ماذا سوف يفعل الله تعالى هذا اليوم؛ إذ يقول النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: (( جعل الله الرَّحمة في مائة جزء، فأمْسَكَ عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتَّى ترفع الفرس حافرَها عن ولدها خشية أن تُصيبَه))[10].



إنَّ سورة الانفطار تصوِّر لنا بعضًا من مشاهد يوم القيامة - كما أسلفنا - حتَّى يصيب القلب خوفٌ من الله تعالى، ذلك أنَّها تحث الذين يبالغون في إحسان الظَّنِّ بالله تعالى ألا يكون إحسان هذا الظَّنِّ سببًا للاغترار به سبحانه، فكما أنَّ الله تعالى كريم ورحمته واسعة، بيْدَ أنَّ عذابه شديد وحسابه أليم ولا شفعة فيه، وليس بمستبعَدٍ أن يشقى العبدُ في جزء من مائة جزء، ويفوته تسعة وتسعون جزءًا من رحمة الله - تعالى - بسبب هذا الاغترار؛ لذا كان حُسْن الظَّنّ بالله تعالى على الوجْه المشروع أن يجمع العبد بين الخوف والرَّجاء في قلبه، ولا ينفرد بأحدهما عن الآخر.

ــــــــــــــــــــ
[1]- رواه البخاري، ج4 ص1812، رقم 4534.
[2]- رواه مسلم، ج4 ص2148، رقم 2788.

[3]- رواه البخاري، ج4 ص1881، رقم 4651.

[4]- رواه مسلم، ج4 ص2206، رقم 2878.

[5]- رواه البخاري، ج5 ص2359، رقم 6054.

[6]- رواه ابن ماجه، ج2 ص903، رقم 2707، وحسَّنه الألباني.

[7]- رواه البخاري، ج4 ص1891، رقم 4666.

[8]- رواه الترمذي، ج5 ص617، رقم 3681، وصحَّحه الألباني.

[9]- تاريخ الخلفاء للسيوطي، ج1 ص100.

[10]- رواه البخاري، ج5 رقم2236، رقم 5654.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دلالات تربوية على سورة الانفطار - فريق التوبة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الفجر من عشاء الاثنين للقارئ ياسر الدوسري (فريق التوبة)
»  تحريم أخذ أجرة على تلاوة القرآن الكريم - فريق التوبة
»  التكرار في سورة يوسف عليه السلام/فريق الإصلاح
» 103 فائدة تربوية للصيام
»  باب التوبة مفتوح لك يا سامع الأغاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثانوية الاعدادية مولاي ادريس الاول بوسكورة :: المنتديات الإسلامية على مذهب السنة و الجماعة :: القرآن الكريم-
انتقل الى: