ذكريات تلميذ
مشاغب ديطاي..... ديطاي مارلبورو .....ماركيز ...
اهرب البوليس جايين .........
التفت
إلى الخلف رأيت رجلا في الزي المدني يركض ورائي ، أعطيت ساقي للريح ،سلكت
زقاقا ضيقا أعرف مخارجه ، أصبحت آمنا من قبضة شرطة مكافحة التهريب ، جلست على عتبة
إحدى المنازل أسترجع أنفاسي وفي نفس الوقت أخذت أسترجع ذكرياتي .
أنهكني السير في الشوارع المزدحمة أشم رائحة
عرقي الكريهة ، أنتعل أسمالا بالية ، ألبس سروالا مثقوبا من الركبتين ، أنتقل من مقهى لأخرى ، أبيع سيجارة و أدخن
سيجارتين ،يسبني الزبائن ، مرة أحدهم ضربني لأنني بعته سجائر مهربة من الجزائر ،
ارتمى علي وشدني من شعري ودفعني تشتت كل سجائري و انتثرت على الأرض سمعت أحد
الحاضرين يقول
لما كانو الناس يقراو فين كان هو) لم ألق تعاطفا من المارة المتفرجين.
وقفت على باب المدرسة ، أنذب حظي الذي
ضيعته ،أتأملني وأنا أشاغب في القسم ،أرمي معلمة العلوم بالصواريخ الورقية ،أكتب
خربشات على الحائط و الطاولات، أدعك( الخنيزة) برجلي تنبعث منها رائحة كريهة ،
أكسر أقلام صديقي أحمد ، أتذكره كان يهتم بدروسه ،كان شعره مرتبا وملابسه مكوية
،يحمل في يده محفظة جلدية يسير بخطى ثابتة نحو المستقبل الزاهر المجيد ، أتصوره
الآن في إحدى الوزارات أو مديرا في إحدى الشركات .
كان أبي يخرج في الصباح الباكر أشعر به
يقبلني ويضع تحت رأسي درهمين أسمع احتكاكهما ،أنام نومة الذئب أغمض عينا وأفتح
العين الأخرى، كان يظنني نائما يمشي على مشط قدميه ، كان يشتغل حمالا في الميناء ،
و في المساء يحضر لنا السمك المشكل ، كان طيبا حنونا ظهرت عليه علامات التعب و
الإنهاك ، كان يتـأملني ويقول لي : إنني أتمنى أن تحقق ما لم أستطع تحقيقه ، أتمنى
أن تتابع دراستك وتتخرج و تصبح أستاذا أو قاضيا ، أنا لا أطلب منك شيئا إنني لا
أريد أن تعيش نفس المأساة التي أعيشها الآن ، لقد هدني التعب من حمل الأثقال التي
لم أعد أقدر على حملها ، إن الحياة علمتني أن الإنسان عندما يتعب في الصغر يرتاح
في الكبر .
مرت هذه الذكريات وكأنها فيلم سينمائي
شاهدته على شاشة السينما ، فيلم ليس كباقي الأفلام فيلم أنا من كتب السيناريو وأنا
من أخرجه وأنا من قام بدور البطولة فيه ، لكنني كنت في نفس الوقت المتفرج الوحيد
على حالي ، لم و لن أسمح بقرصنته سأحتفظ به لنفسي .
هممت بالوقوف رميت علبة السجائر على الأرض دست
عليها كما كنت أدوس على( الخنيزة )،كانت رائحة السجائر كريهة أيقظتني من غفوتي ،
حينها قررت تعلم حرفة النجارة و أصنع تابوتا أدفن فيه ماضي التعيس وذكريات الندم
على العلم و المعرفة ، توجهت إلى البيت
اغتسلت بالماء الدافئ و الصابون ، ارتسمت علامات الفرحة على وجه أمي ابتسمت في
وجهي وقالت : ربنا يصلح من حالك و يهديك
للطريق المستقيم .
محمد يوب
02-02-10[center][b]