تعريف القانون الدولي في الإسلام
الكاتب
د.عباسعلي العميد الزنجاني
يمكن أن نعرّف القانون الدوليّ في الإسلام كالآتي: القانون الدوليّ في الإسلام هو مجموعة المبادىء والقواعد القانونيّة التي تنظّم المسائل المختلفة في العلاقات الدوليّة.
لقد أُطلق اصطلاح القواعد في هذا التعريف بمعناه الأعمّ، أي: جميع المقرّرات الملزمة التي تنظّم العلاقات الاجتماعيّة. وينبغي أن لا يلتبس مع الاصطلاح الفقهي الذي يطلق على القضايا الفقهيّة العامّة _حيث تظهر الأحكام العامّة المتعدّدة في الموضوعات الفقهيّة المتنوّعة من كلّ حالة من حالات تلك القضايا والقواعد. كما أنّ مفهوم الحقوق (القانون) هنا أيضاً قد استعمل بالمعنى المتعارف في الدراسات الحقوقيّة (القانونيّة) أي: القواعد العامّة الملزمة التي تنظّم الحياة الاجتماعيّة. ويختلف تماماً عن الاصطلاح الفقهي لهذه الكلمة. إذ إنّ (حقوق) جمع حقّ، ويعني نوعاً من الحرّيّة والاختيار، حيث يستطيع الإنسان _في ضوئه _ أن يقوم بعمل ما، أو ينتهي عنه؛ كما أنّ هذه الكلمة قد أُطلقت في المحاورات الفلسفيّة، وتعني (على الأغلب _ الأمر الثابت الذي له وجود ظاهر خارج ذهن الإنسان.
إن تعريف القانون الدوليّ في الإسلام بأنّه "مجموعة القواعد القانونيّة التي تحكم العلاقات الدوليّة لبلد إسلامي" لا ينسجم مع التعريف المتداول للقانون الدوليّ (مجموعة القواعد القانونية التي تنظّم العلاقات الدوليّة) فحسب، بل يهبط بمفهوم القانون الدوليّ في الإسلام إلى مستوى قوانين في السياسة الخارجيّة لبلد ما.
صحيح أنّ أحد الجوانب في ضوء القانون الدوليّ في الإسلام هو دار الإسلام أو أحد الأقطار الإسلامية دائماً، بيد أنّ هذا لا يعني أنّ قواعد القانون الدوليّ في الإسلام جاءت لتوضيح واجبات الحكومة الإسلاميّة وتحديد سياستها الخارجيّة فحسب.
إنّ النظرة الشموليّة للإسلام تهتمّ بالعلاقات الدوليّة بشكل عامّ، وتخاطب كافّة الحكومات من أجل نيل الأهداف الخاصّة، نحو: السلم والأمن العادلين، وإعداد الأرضيّة للتوكّؤ على المشتركات الإنسانيّة، والرجوع إلى الفطرة البشرية الواحدة. وتقدّم مبادىء وقوانين عادلة فيما يخصّ العلاقات بين الشعوب.
ولما كانت الدولة الإسلامية أو دار الإسلام مسؤولة عن تحقيق أهداف النظام القانوني في الإسلام، فإنّ لها دوراً تنفيذيّاً مؤثراً خلال ذلك. وينبغي أن تكون دائماً سبّاقة إلى تقديم هذا النظام القانوني وتطبيقه وتمسك بزمام الأمور.
من هذا المنطلق يمكن القول بأنّه متى كانت القواعد القانونيّة الخاصّة بالعلاقات الدوليّة في الإسلام تتصل بدولة إسلاميّة ما أو بدار الإسلام، فإنّها تتّخذ طابع القواعد والمبادىء التي تحدّد السياسة الخارجيّة لتلك الدولة أو دار الإسلام، وموقفها حيال العالم الخارجي وفي ميدان العلاقات الدولية. ومتى ما كانت تلك القواعد مرتبطة بالقضايا الدوليّة، فإنّها تتّخذ طابع القانون الدوليّ.
ولكن من جهة أُخرى فإنّ هذه القوانين والقواعد العامّة، بغضّ النظر عن تطبيق إحدى الدول لها في سياستها الخارجيّة، عندما تناقض في مجال القضايا الدوليّة، بصفة عامّة، فإنّها تعتبر قسماً من القانون الدوليّ في الإسلام، لأنّها تعكس الآراء القانونيّة للرسالة الإسلاميّة فيما يخصّ النظام الدوليّ وتركيبته القانونيّة.
في ضوء هذا التوضيح، يمكننا أن نقف على الخطأ الذي ارتكبه البعض في تبيان المفهومين المتباينين: السياسة الخارجيّة للحكومة الإسلامية، والقانون الدوليّ الإسلامي. ونلفت إلى أنّنا كيف نعتبر قواعد السياسة الخارجيّة للدولة الإسلاميّة ضمن قواعد القانون الدوليّ، مع وجود التباين في مفهوم كلّ منهما؟
أجاب أحد الكتّاب عن السؤال المطروح حول وجود القانون الدوليّ في الإسلام، وتعريفه، وبيّن ذلك بصورة غير مباشرة قائلاً: إذا اعتبرنا فلسفة تأسيس العلم الخاصّ بالقانون الدوليّ على أنّها تغيير في علاقات الشعوب، وصدّ لاعتداء الأقوياء والمقتدرين، ومساواة وأُخوة بين الناس، فينبغي أن نذعن بأنّ نبي الإسلام (ص) كان الواضع الأوّل للبنات القانون الدولي.
إنّ مشروع الأخلاق الدوليّة _بوصفها مجموعة قواعد تنظّم السلوك الإنساني، وتكسب قوّتها الملزمة في تطبيق معايير الخير والشرّ من الاعتقاد الباطني للناس _ اقتراح جديد طرحه الكاتب المدافع عن الإسلام في الغرب: مارسل بوازار، ودافع عنه بشدّة بديلاً عن القانون الدوليّ الذي أثبت عجزه.
إنّه يعتبر عالميّة القانون الواقعيّة رهناً لاستكمال الضمير العامّ فحسب، ويحاول أن يقدّم قواعد القانون الدوليّ في الإسلام على أنّها نوع من نظام الخلاق الدوليّة، وذلك من خلال إضافته المبدأ القائل بأنّ الضمير العامّ مؤشّر لنوع عن المعيار الذي يكمن في الأخلاق.
ولمّا كان يرى أنّ اتّساع التعميم التدريجي للضمير العامّ ممكن على أساس القيم العالميّة. فإنّه يستنتج على أنّ من أراد _حقاً _ أن تتحقّق العدالة الدوليّة. وينعم العالم الإنساني بالسلم والسعادة الحقيقيّة، فعليه أن يتعرّف على نظام الخلاق الدوليّة في الإسلام، ويدرك مدى أهميّة العالم الإسلامي؛ ويجدّ في إقرار نظام دوليّ جديد على أساس ذلك، ويتخلّى عن أفكاره السقيمة في هذا المجال. تلك الأفكار التي كانت سائدة في غرب الأرض على الصعيد الاجتماعي والفكري والحضاري منذ أربعة عشر قرناً وما زالت حتّى اليوم.
إنّ الاخلاق والقانون متباينان من حيث الهدف، والأساس، وصفة الإلزام والضمانة التنفيذيّة، فهدف الأخلاق: كمال الإنسان، وهدف القانون: النظم المطلوب. وأساس الأخلاق: الخير والشرّ. وأساس القانون: العدالة. وتفتقد الخلاق صفة الإلزام وضمانة التنفيذ بسبب توكّؤها على الضمير والوجدان، بينما نجد القانون، وبسبب طبيعته الاجتماعيّة، يمتلك صفة الإلزام وضمانة التنفيذ بواسطة الحكومة.
بالرغم من أنّ الفكر المادّي قد فصل القواعد القانونيّة عن الأخلاق، لكنّنا نرى أنّ الجذور الأصليّة لمعظم القواعد القانونيّة هي الخلاق. وأنّ استثمار الضمير العامّ للمجتمع في المحافظة على النظم وتطبيق القانون يستدعي أن يسنّ المشرّع القواعد القانونيّة على أساس القواعد الأخلاقية، حتّى أنّ ما تعتبره الحكومة قانوناً، يعتبره الناس خيراً.
إنّ تأكيد الإسلام في نظامه القانوني أن يكون تطبيق القانون متوكّئاً على الإيمان ومنطلقاً من وحي العقيدة، هو في الحقيقة لإكمال الضمانة التنفيذيّة لحق القواعد القانونيّة، ولا وجود لأيّ منافاة بينه وبين مواصفات القواعد القانونيّة، ولا يستدعي الخلط بين حقل القانون وحقل الأخلاق.
لا شكّ أنّ ميزة الإسلام في تلمّسه مصادر القانون الدوليّ في العقيدة والإيمان أكثر من الطرق العمليّة، هي من أبرز ميزات القانون الدوليّ المعاصر.
ولو درسنا حجم التأثير الذي تتركه العقيدة والمظاهر المعنويّة في الممارسات الاجتماعية (وهو أساس القانون الجديد)، فإنّنا سنقف على أهميّة هذه الميزة أكثر.
بيد أنّ مفهوم هذه الميزة، مع غاية الأهمية التي عليها، لا يعني أنّ النظام القانوني في الإسلام، حتّى في بعده الدوليّ معرّض للنقاش والمؤاخذة. أو أنّه يستدعي أن تكون الأخلاق الدوليّة في الإسلام بديلاً عن القانون الدوليّ الإسلامي.