تفسير قوله تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا )
السؤال : ما تفسير قوله تعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً" الفرقان 61
الجواب :
الحمد لله
قال الله تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا )
الفرقان / 61
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) الحجر / 16
وقال عز وجل : ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) البروج/1
فأما قوله عز وجل : ( تبارك ) فمعناه : تعالى ، وكثر عطاؤه ، واتسعت بركته .
فتَبَارَكَ : مأخوذ من البركة المستقرة الدائمة الثابتة ، وهي الكثرة والاتساع . يقال : بورك الشيء وبورك فيه ، وقال الأزهري :
" تبارك " تعالى وتعاظم وارتفع .
وقيل : المعنى دام وثبت إنعامه . قال النحاس : وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق ؛ من برك الشيء إذا ثبت ؛ ومنه برك الجمل
والطير على الماء ، أي دام .
فاستحق الرب تعالى الشكر والتعظيم والثناء على نعمه .
راجع : "تفسير ابن كثير" (6 / 92) – "الجامع لأحكام القرآن" (7 / 223) - (13 / 1)
"فتح القدير" (3 / 683) .
فهذه الصيغة ( تبارك ) تفيد المبالغة في وفرة الخير ، وأن ما عُدّد من نعم الله تعالى وإفضاله لا تحيط به العبارة ، فعبّر عنه بهذه
المبالغة إذ هي أقصى ما تسمح به اللغة في التعبير ، ليعلم الناس أنهم محقوقون لله تعالى بشكرٍ يوازي عظم نعمه عليهم .
"التحرير والتنوير" (27 / 277) - (29 / 9) .
- أما قوله تعالى : ( الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا )
فالبروج : قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة والسدي : البروج : النجوم .
"تفسير ابن كثير" (8 / 363) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" يقول تعالى - مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه - : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) أي : نجوما كالأبراج ، والأعلام العظام ،
يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر ( وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) فإنه لولا النجوم لما كان للسماء هذا المنظر البهي ، والهيئة العجيبة ،
وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها ، والنظر في معانيها والاستدلال بها على باريها " انتهى .
"تفسير السعدي" (1 / 430)
وقيل : البروج : منازل النجوم ، قال الشوكاني رحمه الله :
" المراد بالبروج : بروج النجوم : أي منازلها ، وقيل هي النجوم الكبار ، والأول أولى ، وسميت بروجا ، وهي القصور العالية ،
لأنها للكواكب كالمنازل الرفيعة لمن يسكنها .
واشتقاق البرج من التَبّرُّج ، وهو الظهور " انتهى .
"فتح القدير" (4 / 122)
وقال القرطبي رحمه الله : ( بُرُوجاً ) أي منازل .
"الجامع لأحكام القرآن" (13 / 65)
وينظر : "تفسير الطبري" (24/332) - "التحرير والتنوير" (5 / 128)
- و( سراجا ) : هي الشمس . و ( قمرا منيرا ) أي مضيئا .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ) وهي الشمس المنيرة ، التي هي كالسراج في الوجود ، كما قال :
( وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ) النبأ / 13 .
( وَقَمَرًا مُنِيرًا ) أي : مضيئا مشرقا بنور آخر ، ونوع وفن آخر ، كما قال : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) يونس / 5 ،
وقال مخبرا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه: ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ) نوح / 15 -16 .
"تفسير ابن كثير" (6 / 120)
ومعنى الآية في الجملة : تعالى الله وتعظّم وكثر عطاؤه وثبت إنعامه سبحانه على خلقه ، الذي زين بفضله السماء الدنيا بتلك النجوم
والكواكب الكبار العظام ، والشمس والقمر المنيرين بالليل والنهار ، جعل ذلك من تمام بركته على خلقه ، واتساع نعمته ووفرة
جوده وكرمه ؛ ليتأملوا ما فوقهم من دلائل عظمته ، وما هم فيه من موفور كرمه وعظيم منته ، عسى أن يؤمنوا بربهم ويشكروا له .
والله تعالى أعلم .