سورة الفاتحة
منها تسمية سورة الحمد بسورة الفاتحة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني إنها فاتحة القرآن، مع أنها لم تكن السورة ولا الآيات الأولى التي نزل بها الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فتسميتها بفاتحة الكتاب في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) تشير إلى أن الكتاب كان مجموعاً بهذا الشكل الموجود بأيدينا اليوم، وكانت سورة الحمد فاتحته كما هو اليوم فاتحته أيضاً.
حديث الثقلين
ومنها إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول في حديث الثقلين المروي عن الفريقين متواتراً: "إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"1. فالكتاب الذي يخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته هو الكتاب المجموع والمرتب لا الآيات المتفرقة، إذ لا يطلق عليها الكتاب2.
وقد سبق الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا التعبير، حيث أطلق مراراً وفي آيات متعددة كلمة "الكتاب" على القرآن إشارة إلى انه مجموع ومرتب عنده تعالى في اللوح المحفوظ - كما قال به بعض المفسرين، وانه تعالى أطلع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جمعه وترتيبه لديه، وأمره بأن يجمع القرآن على ما هو مجموع في اللوح المحفوظ، ويرتبه وفق ترتيبه، وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك.
قال تعالى: ((وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِر أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِه وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُون))3
وقال سبحانه: ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ))4
وقال عز وجل: ((يَا أَهْلَ الْكِتَاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَاب مُّبِين))5
وقال سبحانه: ((وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوه وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون))6
وقال عز وجل: ((كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْه لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين))7
وقال تبارك وتعالى: ((كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير))8
وقال عز من قائل: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد))9
ختم القرآن
ومنها ما ورد من أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بختم القرآن في شهر رمضان وفي غيره من سائر الأيام وبيان ما لختمه من الفضيلة والثواب، ولولا أن القرآن مجموع ومرتب لم يكن لختم القرآن معنى، لأن الختم يقال لما يبدأ من أوله وينتهي بآخره10.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من ختم القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه ولكنه لا يوحى إليه"11. وقال (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم): "إن المؤمن إذا قرأ القرآن نظر الله إليه بالرحمة، وأعطاه بكل آية ألف حور، وأعطاه بكل حرف نورا على الصراط، فإذا ختم القرآن أعطاه الله ثواب ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا بلغوا رسالات ربهم، وكأنما قرأ كل كتاب أنزل الله على أنبيائه، وحرم الله جسده على النار، ولا يقوم من مقامه حتى يغفر الله له ولأبويه."12 - الحديث.
حتى أن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما قد ختموا القرآن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عدة مرات، واذا لم يكن القرآن مجموعاً في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف ختموه عنده؟
قال في متشابه القرآن، وقد ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرا القرآن، وحصره، وأمر بكتابته على هذا الوجه، وكان يقرأ كل سنة على جبرائيل مرة، إلا السنة التي قبض فيها فإنه قرأ عليه مرتين، وأن جماعة من الصحابة ختموا عليه القرآن، منهم أبي بن كعب وقد ختم عليه ابن مسعود عشر ختمات13.
وقال العلامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار: "روى البخاري ومسلم ابن حجاج والترمذي في صحاحهم وذكره في جامع الأصول عن أنس، قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد يعني ابن ثابت"14.