مبطلات الصلاة
مبطلات الصلاة عند الفقهاء:
1- الكلام: أي النطق بحرفين ولو لم يفهما أو حرف مفهم أجنبي عن الصلاة، عمداً أو سهواً.
ذهب الحنفية إلى أنه: تفسد الصلاة بالكلام عمداً أو سهواً، أو جاهلاً، أو مخطئاً، أو مكرهاً، وذلك بالنطق بحرفين أو حرف مفهم، مثل "عِ" و "قِ"، وكما لو سلم على إنسان، أو رد السلام بلسانه، لا بيده، ويكره ذلك على المعتمد، أو شمَّت عاطساً، أو نادى إنساناً بقوله "يا" ولو ساهياً، لكن لو سلم ساهياً للخروج من الصلاة قبل إتمامها على ظن إكمالها، فلا تفسد الصلاة، ولو صافح بنية السلام، تفسد، لأنه عمل كثير. ولو استعطف كلباً أو هرة أو ساق حماراً بما ليس من حروف الهجاء لا تفسد صلاته، لأنه صوت لا هجاء له.
ومن ارتفع بكاؤه لمصيبة بلغته، فسدت صلاته، لأنه تعرض لإظهارها.
وتفسد بالتنحنح بحرفين بلا عذر، فإن وجد عذر، كأن نشأ من طبعه فلا تفسد، كما لا تفسد إن كان لغرض صحيح كتحسين الصوت، أو ليهتدي إمامه إلى الصواب، أو للإعلام أنه في الصلاة، فلا فساد على الصحيح، وهكذا فإن التنحنح عن عذر لا يفسد الصلاة. وتفسد بالدعاء بما يشبه كلام الناس: وهو ما ليس في القرآن ولا في السنة، ولا يستحيل طلبه من العباد، وبالأنين (هو قوله: أه)، والتأوه (هو قوله: آه) والتأفيف (أف أو تف)، والبكاء بصوت يحصل به حروف، لوجع أو مصيبة في الحالات الأربعة الأخيرة، إلا لمرض لا يملك نفسه عن أنين وتأوه، لأنه حينئذ كعطاس وسعال وجشاء وتثاؤب، وإن ظهرت حروف للضرورة.
والنفخ بصوت مسموع يفسد الصلاة سواء أراد به التأفيف أو لم يرد.
ولا تفسد بالدعاء لذكر جنة أو نار عند قراءة الإمام، فجعل يبكي ويقول: بلى أو نعم، لدلالته على الخشوع.
وتفسد بكل ما قصد به الجواب، كأن قيل: هل مع الله إله ؟ فقال:لا إله إلا الله" أو قيل: ما مالك؟ فقال: الخيل والبغال والحمير. أو سئل: من أين جئت؟ فقال: وبئر معطلة وقصر مشيد.
ولا تفسد الصلاة بالنظر إلى مكتوب وفهمه، غير أنه مكروه، أما القراءة من المصحف فتفسد الصلاة عند أبي حنيفة، لأن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير، ولأنه يشبه التلقين مع الغير.
وذهب المالكية إلى أنه: يشترط لصحة الصلاة ترك الكلام إلا ما هو من جنسها، أو مصلح لها. وتبطل بتعمد كلام أجنبي ولو كلمة، نحو "نعم" أو "لا" لمن سأله عن شيء، لغير إصلاح الصلاة، فإن كان الكلام لإصلاح الصلاة وبقدر الحاجة لا تبطل الصلاة إلا إن كان كثيراً، كأن يسلم الإمام بعد ركعتين في صلاة رباعية، أو يقوم لركعة خامسة، ولم يفهم بالتسبيح، فقال له المأموم: أنت سلمت من ركعتين أو قمت لخامسة، لم يضر.
وتبطل أيضاً بتعمد تصويت خال عن الحروف، كصوت الغراب، وبتعمد نفخ بفم، لا بأنف، وبتعمد سلام في حال العلم أو الظن أو الشط بعدم إكمال الصلاة.
وذهب الشافعية إلى أنه: تبطل الصلاة بالنطق بكلام البشر بحرفين مفهمين ولو لمصلحة الصلاة كقوله: لا تقم أو اقعد، أو بحرف مفهم، أو بمدَّة بعد حرف في الأصح، لأن الممدود في الحقيقة حرفان. والأصح أن التنحنح والبكاء والأنين، والنفخ إن ظهر به حرفان مبطل للصلاة. ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه إليه، أو نسي الصلاة عملاً بقصة ذي اليدين السابقة، أو جهل تحريم الكلام في الصلاة إن قرب عهده بالإسلام، وتبطل بكثير الكلام، ويعذر في اليسير عرفاً من التنحنح ونحوه كالسعال والعطاس وإن ظهر به حرفان ولو من كل نفخة ونحوها، لغلبة كل ما ذكر عليه فلا تقصير منه، أو لتعذر القراءة الواجبة وغيرها من الأركان القولية في حال التنحنح للضرورة، والجهر بالقراءة لا يصلح عذراً ليسير التنحنح. ولو أكره المصلي على الكلام اليسير في صلاته بطلت صلاته في الأظهر، لأنه أمر نادر كالإكراه على الحدث.
وذهب الحنابلة إلى أنه: تبطل الصلاة بكلام الآدميين (وهو ما انتظم حرفين فصاعداً)، لغير مصلحة الصلاة، كقوله : يا غلام اسقني، ونحوه. ولا تبطل إن تكلم من سلَّم قبل إتمام صلاته سهواً بكلام يسير عرفاً لمصلحة الصلاة، عملاً بقصة ذي اليدين، سواء أكان إماماً أم مأموماً. ولا تبطل إن تكلم مغلوباً على الكلام، بأن خرجت الحروف منه بغير اختياره، كأن سلم سهواً أو نام فتكلم لرفع القلم عنه، أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن، لأنه لا يمكنه التحرز عنه، أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب، فبان منه حرفان.
وتبطل الصلاة بالنفخ إن بان منه حرفان، وبالنحيب (هو رفع الصوت بالبكاء) إذا بان منه حرفان، لا من خشية الله، وبالتنحنح من غير حاجة، فبان منه حرفان فإن تنحنح لحاجة لم تبطل.
والقراءة أثناء الصلاة في المصحف، ويكره ذلك لمن يحفظ، لأنه يشغل عن الخشوع في الصلاة والنظر إلى موضع السجود لغير حاجة، كما يكره في الفرض على الإطلاق، لأن العادة أنه لا يحتاج إلى ذلك فيها، وتباح في غير هذين الموضعين للحاجة إلى سماع القرآن والقيام به.
حكم الفتح على الإمام وغيره
ذهب الحنفية إلى أنه: إذا توقف الإمام في القراءة أو تردد فيها، قبل أن ينتقل إلى آية أخرى، جاز للمأموم أن يفتح عليه أي يرده إلى الصواب، وينوي الفتح على إمامه دون القراءة على الصحيح، لأنه مرخص فيه، أما القراءة خلف الإمام فهي مكروهة تحريماً. فلو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى، تفسد صلاة الفاتح، وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله، لوجود التلقين والتلقن من غير ضرورة.
وينبغي للمقتدي ألا يعجل الإمام بالفتح، ويكره له المبادرة بالفتح، كما يكره للإمام أن يلجئ المأموم إليه، بل يركع حين الحرج إذا جاء أوان التردد في القراءة، أو ينتقل إلى آية أخرى.
وتبطل الصلاة إن فتح المأموم على غير إمامه إلا إذا قصد التلاوة لا الإرشاد، ويكون ذلك مكروهاً تحريماً.
كما تبطل الصلاة بإرشاد غير المصلي له، أو بامتثال أمر الغير، كأن يطلب منه غيره سد فرجة، فامتثل وسدها، وإنما ينبغي أن يصبر زمناً ثم يفعل من تلقاء نفسه.
وذهب المالكية إلى أنه تبطل: تبطل الصلاة بالفتح على غير الإمام سواء من المصلي أو من غيره، بأن سمعه يقرأ، فتوقف في القراءة، فأرشده للصواب، لأنه من باب المكالمة، أما الفتح على الإمام إذا وقف وتردد في القراءة، ولو في غير الفاتحة فجائز لا يبطل الصلاة، بل هو واجب، فإن وقف ولم يتردد كره الفتح عليه.
وذهب الشافعية إلى أنه: الفتح على الإمام: هو تلقين الآية عند التوقف فيها. ويفتح عليه إذا سكت، ولا يفتح عليه مادام يردد التلاوة وسؤال الرحمة والاستعاذة من عذاب، لقراءة آيتهما. والفتح في حالة السكوت لا يقطع في الأصح موالاة قراءة المأموم، أما في حالة التردد فيقطع موالاة قراءته، ويلزمه استئناف القراءة.
ولابد لمن يفتح على إمامه أن يقصد القراءة وحدها أو يقصدها من الفتح. فإن قصد الفتح وحده، أو لم يقصد شيئاً أصلاً، بطلت صلاته على المعتمد. أما الفتح على غير إمامه فيقطع موالاة القراءة.
وذهب الحنابلة إلى أنَّ: للمصلي أن يفتح على إمامه إذا أرْتِج عليه (منع من القراءة) أو غلط في قراءته، فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً. ويجب الفتح على إمامه إذا أرتج عليه أو غلط في الفاتحة، لتوقف صحة صلاته على ذلك، كما يجب تنبيهه عند نسيان سجدة ونحوها من الأركان.
وإن عجز المصلي عن إتمام الفاتحة بالإرتاج عليه، فكالعاجز عن القيام في أثناء الصلاة، يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه، ولا يعيدها.
ويكره للمصلي الفتح على من هو في صلاة أخرى، أو على من ليس في صلاة، لأن ذلك يشغله عن صلاته، ولا تبطل صلاته.
2- الأكل والشرب: هذا مبطل للصلاة على تفصيل في جزئيات يسيرة بين الفقهاء.
ذهب الحنفية إلى أنه: تبطل الصلاة بالأكل والشرب عامداً أم ناسياً، سواء أكان المأكول قليلاً أم كثيراً، لأنه ليس من أعمال الصلاة، إلا إذا كان بين أسنانه مأكول دون الحِمِّصة، فابتلعه، فلا تبطل صلاته لمشقة الاحتراز عنه دائماً، كما هو الحال في الصوم.
أما المضغ الكثير بان كان ثلاثاً متواليات فمفسد، وكذا لو ابتلع ذوب سكر أو حلوى في فمه.
وذهب المالكية إلى أنه: تبطل الصلاة بتعمد أكل ولو لقمة بمضغها، وتعمد شرب ولو قلّ، ولا تبطل بأكل يسير مثل الحبة بين أسنانه، كما لا تبطل بأكل أو شرب سهواً على الراجح، ويسجد له بعد السلام. فإن اجتمع الأكل والشرب، أو وجد أحدهما مع السلام سهواً، فتبطل الصلاة.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: تبطل الصلاة بتعمد تناول قليل الأكل، لشدة منافاته للصلاة، لأن ذلك يشعر بالإعراض عنها، ولا تبطل بتناول قليل الأكل ناسياً أو جاهلاً تحريمه، وتبطل بكثير الأكل ولو مع النسيان والجهل في الأصح، ولو مفرقاً، بخلاف الصوم، فإنه لا يبطل بذلك.
كما تبطل بكثير المضغ، وإن لم يصل إلى الجوف شيء من الممضوغ.
وتبطل في الأصح ببلع ذوب سُكَّرة بفمه، لمنافاته للصلاة.
ولا يضر ما وصل مع الريق إلى الجوف من طعام بين أسنانه، إذا عجر عن تمييزه ومجه.
3- العمل الكثير المتوالي:
قال الحنفية: تبطل الصلاة بكل عمل كثير ليس من أعمالها ولا لإصلاحها، كزيادة ركوع أو سجود، وكمشي لغير تجديد الوضوء لمن سبقه الحدث. ولا تفسد برفع اليدين في تكبيرات الزوائد ولكنه يكره. والعمل الكثير: هو الذي لا يشك الناظر لفاعله أنه ليس في الصلاة. فإن اشتبه فهو قليل على الأصح.
وقال المالكية: تبطل الصلاة بالفعل الكثير عمداً أو سهواً كحك جسد، وعبث بلحية، ووضع رداء على كتف، ودفع مارّ وإشارة بيد. ولا تبطل بالفعل القليل أو اليسير جداً كالإشارة وحك البشرة، أما المتوسط بين الكثير والقليل، كالانصراف من الصلاة، فيبطل عمده دون سهوه.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: تبطل الصلاة بكثير العمل عمداً أو سهواً، لا بقليله، وتعرف الكثرة بالعرف والعادة، فالخُطوتان والضربتان قليل، والثلاث المتواليات عند الشافعية كثير. ومعنى التوالي: ألا تعد إحداهما منقطعة عن الأخرى.
وتبطل بالوثبة الفاحشة وهي النطة لمنافاتها الصلاة، لا الحركات الخفيفة المتوالية، كتحريك أصابعه في سُبْحة أو عِقْد، أو حكّ أو نحو ذلك، كتحريك لسانه أو أجفانه أو شفتيه مرات متوالية، فلا تبطل بذلك.
ولا يضر العمل اليسير عادة من غيرجنس الصلاة، لفتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة، وحمله أُمامة ووضعها، كما لا يضر العمل المتفرق وإن كثر، ولا الحاصل بعذر كمرض يستدعي حركة لا يستطيع الصبر عنها زمناً يسع الصلاة.
ويكره العمل الكثير غير المتوالي بلا حاجة.
ولا يقدر عند الحنابلة العمل الكثير بثلاث ولا بعدد.
وأضاف الشافعية: أن العمل الكثير في العرف يضبط بثلاثة أفعال فأكثر، ولو بأعضاء متعددة، كأن حرك رأسه ويده. ويحسب ذهاب اليد وعودها مرة واحدة، ما لم يسكن بينهما، وكذا رفع الرجل، سواء عادت لموضعها الذي كانت فيه أو لا. أما ذهابها وعودها فمرتان. وقد عرفنا أن الوثبة الفاحشة كالعمل الكثير، وكذا تحريك كل البدن، أو معظمه ولو من غير نقل قدميه.
ولو تردد في فعل، هل هو قليل أو كثير، فالمعتمد أنه لا يؤثر.
4- المشي في الصلاة: لا تبطل الصلاة إن مشى مستقبل القبلة بنحو متقطع يفصل بين تقديم كل رجل والأخرى بقدر أداء ركن، فيقف، ثم يمشي وهكذا وإن كثر ما لم يختلف المكان، بأن خرج من المسجد، أو تجاوز الصفوف إن كانت الصلاة في الصحراء.
5- استدبار القبلة: بتحويل الصدر عنها بغير عذر، عند الحنفية والشافعية، فإن كان بعذر، كاستدبار القبلة للذهاب إلى الوضوء، فلا تبطل لأنه مغتفر.
ومن العذر عند الشافعية: انحراف الجاهل والناسي إن عاد عن قرب.
ولا تبطل الصلاة عند المالكية ما لم تتحول قدما المصلي عن مواجهة القبلة.
وعند الحنابلة: ما لم يتحول المصلي بجملته عن القبلة.
6- كشف العورة: ذهب الحنفية إلى أن كشف العورة عمداً أو انكشافها بنحو ريحٍ ومضي مقدار أداء ركن أو مقدار ثلاث تسبيحات تبطل الصلاة إذا انكشف ربع عضو من أعضاء العورة وإن سترها حالاً لم تبطل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لو سترها حالاً لم تبطل.
وذهب المالكية إلى أنه تبطل بمجرد انكشاف العورة المغلظة مطلقاً، ولا غيرها.
7- ظهور الحدث الأصغر أو الأكبر ولو من فاقد الطهورين عمداً أو سهواً، ولو من دائم الحدث غير حدثه الدائم. لكن لو شك في الحدث استمر.
ومن الحدث: نوم غير الممكن مقعدته من الأرض. والمفسد للصلاة عند الحنفية : هو الحدث العمد بعد الجلوس الأخير قدر التشهد، أو قبل ذلك، فإن سبقه الحدث قبل السلام بعد الجلوس الأخير صحت الصلاة عندهم. كما أنه يبني على صلاته إن سبقه الحدث من غير قصد في أثناء الصلاة: وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه.
8- حدوث النجاسة التي لا يعفى عنها في البدن والثوب والمكان: فمن تنجس جسده أو ثوبه، أو سجد على شيء نجس بنجاسة لا يعفى عنها، أو سالت نجاسة داخل فمه أو أنفه أو أذنه، بطلت صلاته. ولا تبطل الصلاة بالنجاسة التي يعفى عنها، ولا بما إذا وقع على ثوبه نجاسة يابسة فنفض ثوبه حالاً.
9- القهقهة: أي الضحك بصوت، تفسد الصلاة إن ظهر بها حرفان فأكثر، أو حرف مفهم. فالبطلان فيها من جهة الكلام المشتملة عليه.
وفرق الحنفية: بين الضحك والقهقه، فالضحك: هو ما يكون مسموعاً للمصلي فقط دون جيرانه، وحكمه أنه يفسد الصلاة فقط، ولا يبطل الوضوء.
وأما القهقهة: فهي ما يكون مسموعاً للمصلي ولجيرانه.
وحكمه: أنه يفسد الصلاة ويبطل الوضوء. أما التبسم من غير صوت فلا يفسد شيئاً.
وذهب الحنفية إلى أنه تبطل الصلاة بالقهقهة كما تبطل بالحدث العمد إذا حصلت قبل القعود الأخير قدر التشهد، فإن كانت بعده فلا تبطل الصلاة التي تمت بها، وإن نقض الوضوء.
10- الردة (وهي قطع الإسلام بقول أو فعل) والموت والجنون والإغماء.
وتبطل الصلاة في الردة والموت والجنون والإغماء.
11- تغيير النية: تبطل الصلاة بفسخ النية أو تردده فيها، أو عزمه على إبطالها أو نية الخروج من الصلاة، أو إبطالها وإلغاء ما فعله من الصلاة، أو شكه هل نوى أم لا، فعمل مع الشك عملاً. وهذا متفق عليه.
وذهب الحنفية إلى أنه تبطل الصلاة بالانتقال من صلاة إلى مغايرتها، كأن ينوي الانتقال من صلاته التي هو فيها إلى صلاة أخرى: فمن صلى ركعة من الظهر، ثم افتتح بتكبير العصر أو التطوع، فقد نقض الظهر، لأنه صح شروعه في غيره، فيخرج عنه. ولو كان يصلي منفرداً في فرض، فكبر ناوياً الشروع في الاقتداء بإمام، أو نوى إمامة النساء، فسدت الصلاة الأولى، وصار شارعاً في الصلاة الثانية.
12- اللحن في القراءة، أو زلة القارئ: ذهب الحنفية المتقدمون إلى أنه.
تبطل الصلاة بكل ما غيَّر المعنى تغيراً يكون اعتقاده كفراً، وبكل ما لم يكن مثله في القرآن، والمعنى بعيد متغير تغيراً فاحشاً، كهذا الغبار مكان {هذا الغُراب}، وبكل ما لم يكن له مثل في القرآن، ولا معنى له، كالسرائل مكان {السرائِرْ}، وتبطل أيضاً في قول آخر بما له مثل في القرآن، والمعنى بعيد، ولم يكن متغيراً تغيراً فاحشاً. ولا تبطل في قول ثانٍ، لعموم البلوى.
فإن لم يكن له مثل في القرآن، ولم يتغير به المعنى، كقيامين مكان {قوامين} فعكس الخلاف السابق: لا تبطل في القْول الأول، وتبطل في القول الثاني.
وذهب الحنفية المتأخرون إلى أنه لو كان: إن الخطأ في الإعراب لا يفسد الصلاة مطلقاً، ولو كان اعتقاده كفراً، لأن أكثر الناس لا يميزون بين وجوه الإعراب.
وإن كان الخطأ بإبدال حرف مكان حرف: فإن أمكن الفصل بينهما بلا كلفة، كالصاد مع الطاء، بأن قرأ الطالحات مكان {الصالحات} فتفسد الصلاة اتفاقاً. وإن لم يمكن الفصل إلا بمشقة، فالأكثر على عدم الفساد، لعموم البلوى، كالصاد مع السين، كالسراط بدل الصراط.
ولا تفسد الصلاة بتخفيف مشدد وعكسه (تشديد مخفف)، كما لو قرأ "أفعيينا" بالتشديد، واهدنا الصراط بإظهار اللام، كما لا تفسد بزيادة حرف فاكثر نحو "الصراط الذين"، أو بوصل حرف بكلمة نحو "إيا كنعبد"، أو بوقف وابتداء، وإن غيَّر المعنى.
لكن تفسد الصلاة بعدم تشديد {رَبِّ الْعَالَمِينَ} و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
وذهب الحنابلة إلى أنَّه لو: إن أحال اللحان المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة الصلاة ولا الائتمام به إلا أن يتعمده، فتبطل صلاتهما. أما إن أحال المعنى في الفاتحة فتبطل الصلاة مطلقاً.
13- ترك ركن بلا قضاء، وترك شرط بلا عذر:
الأول: مثل ترك سجدة من ركعة، وسلم قبل الإتيان بها. والثاني: كترك ستر العورة بلا عذر، فإن وجد عذر كعدم وجود ساتر أو مطهر للنجاسة، وعدم قدرة على استقبال القبلة، فلا فساد.
14- أن يسبق المقتدي إمامه عمداً بركن لم يشاركه فيه : كأن يركع ويرفع قبل أن يركع الإمام. فإن كان سهواً، رجع لإمامه ولا تبطل صلاته، لكن الحنفية قالوا: تبطل الصلاة ولو سبق سهواً إن لم يعد ذلك مع الإمام، أو بعده ويسلم معه، فإن أعاده معه أو بعده وسلم معه، فلا تبطل.
وقال الشافعية: لا تبطل صلاة المأموم إلا بتقدمه عن الإمام بركنين فعليين بغير عذر، كسهو مثلاً، وكذا لو تخلف عنه عمداً من غير عذر، كبطء قراءة.
15- محاذاة المرأة الرجل في الصلاة من غير فرجة تسع مكان مصلٍ، أو من غير حائل، سواء أكانت المرأة مَحْرماً كأخت أو بنت، أم غير محرم كزوجة.
وتتحقق المحاذاة عند الحنفية بالشروط الآتية:
أولاً - أن تكون المحاذاة بالساق والكعب.
ثانياً - أن تكون الصلاة مشتركة بينهما في التحريمة، والأداء، ونية الإمام إمامتها، أو باقتدائها مع الرجل بإمام آخر، أو باقتدائها برجل، ولم يشر إليها لتتأخر عنه. فإن لم ينو الإمام إمامتها، لا تكون معه في الصلاة، وإن لم تتأخر بإشارته فسدت صلاتها هي، لا صلاته.
ثالثاً - أن يكون مكانهما متحداً ولا حائل بينهما.
رابعاً - أن تكون المرأة مشتهاة.
ومقدار المحاذاة المفسدة: أداء ركن عند محمد، ويقدر بمقدار ثلاث تسبيحات عند أبي يوسف.
16- إذا وجد المتيمم ماء قدر على استعماله وهو في الصلاة: ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الصلاة تبطل بمجرد رؤية الماء، ولكن الحنفية قالوا: تبطل إذا رأى الماء قبل القعود الأخير قدر التشهد، وإلا فلا تبطل، لأن الصلاة تكون قد تمت عندهم.
ولا تبطل الصلاة برؤية الماء عند المالكية والشافعية، إلا إذا كان عند المالكية ناسياً للماء الموجود معه، ثم تذكره، فتبطل الصلاة حينئذ إذا اتسع الوقت لإدراك ركعة من الصلاة بعد استعماله.
17- القدرة على الساتر لعورته: إذا وجد العريان ثوباً ساتراً لعورته أثناء الصلاة واحتاج إلى عمل كثير لإحضاره، بطلت صلاته. إلا أن المالكية قالوا: لا تبطل إن كان بعيداً عنه أكثر من نحو صفين من صفوف الصلاة غير صفه، وإنما يكمل الصلاة، ويعيدها في الوقت فقط.
18- أن يسلم عمداً قبل تمام الصلاة: فإن سلم سهواً، لم تبطل صلاته إذا لم يعمل عملاً كثيراً، ولم يتكلم كلاماً كثيراً على الخلاف السابق في بحث "السلام".
متى يجب قطع الصلاة؟
يجب قطع الصلاة لضرورة، وقد يباح لعذر.
أما ما يجب قطع الصلاة له لضرورة فهو ما يأتي:
- تقطع الصلاة ولو فرضاً باستغاثة شخص ملهوف، ولو لم يستغث بالمصلي بعينه، كما لو شاهد إنساناً وقع في الماء، أو هجم عليه حيوان، أو اعتدى عليه ظالم، وهو قادر على إغاثته.
- وتقطع الصلاة أيضاً إذا غلب على ظن المصلي خوف تردي أعمى، أو صغير أو غيرهما في بئر ونحوه. كما تقطع الصلاة خوف اندلاع النار واحتراق المتاع ومهاجمة الذئب الغنم، لما في ذلك من إحياء النفس أو المال، وإمكان تدارك الصلاة بعد قطعها، لأن أداء حق الله تعالى مبني على المسامحة.
متى يجوز قطع الصلاة؟
يجوز قطع الصلاة ولو كانت فرضاً عند:
- سرقة المتاع، ولو كان المسروق لغيره، إذا كان المسروق يساوي درهماً فأكثر.
- خوف المرأة على ولدها، أو خوف فوران القدر، أو احتراق الطعام على النار. ولو خافت القابلة (الداية) موت الولد أو تلف عضو منه، أو تلف أمه بتركها، وجب عليها تأخير الصلاة عن وقتها، وقطعها لو كانت فيها.
- مخافة المسافر من اللصوص أو قطاع الطرق.
- قتل الحيوان المؤذي إذا احتاج قتله إلى عمل كثير.
- رد الدابة إذا شردت.
- مدافعة الأخبثين (البول والغائط) وإن فاتته الجماعة.
- نداء أحد الأبوين في صلاة النافلة، وهو لا يعلم أنه في الصلاة، أما في الفريضة فلا يجيبه إلا للضرر، وهذا متفق عليه.