انطلاقاً من اهتمام تحولات بقضايا ومشكلات وهموم الجماعات والطوائف والأقليات المختلفة اختارات لكم مجموعة من المقالات والدراسات في الحلقة الأولى عدد من المقالات حول تاريخ الأكراد ماضيهم، حاضرهم ومستقبلهم
(الحلقة الأولى).
P.Normal1 {
FONT-SIZE: 12pt; MARGIN: 0in 0in 0.1in; LINE-HEIGHT: 18pt; FONT-FAMILY: "Times New Roman"
}
P.MsoNormal {
FONT-SIZE: 12pt; MARGIN: 0in 0in 0pt; FONT-FAMILY: "Times New Roman"; mso-style-parent: ""
}
من هم الاكراد، ومن اين جاءت كلمة الكرد؟ لقد اختلف المؤرخون فى اعطاء الفصول الاولى من تاريخهم واصولهم ومنشأهم. ودراسة تاريخ الكرد يحتاج الى عناية مركزة فى البحث عن جذور هذا الشعب وموطنه الاصلى. الاكراد هم سكان المناطق الجبلية زاكروس فى شمال غرب ايران وجنوب شرق اناضول وجمهورية ارمينيا الحالية. وهم اصلا من الاقوام الهندو - ارية، ويعترف الاكراد بأنهم من عرق ارى وليس سامى، وهذا ثابت عند اكثر الباحثين والمؤرخين الاوروبين . لو قمنا بدراسة مفصلة لجغرافية المنطقة التى يطلقون الاكراد عليها بكردستان الكبرى فأننا سنجد انها منطقة خليطة بالاقوام والشعوب المتعددة من الكرد والارمن والنساطرة التى سكنت تلك البقعة الجغرافية منذ عصور بعيدة . ان كثرة الاختلافات فى اللغة تعتبر مؤشرا اخر على تعددية الاقوام فى تشكيل المجتمع الكردى (ماكدويل) . وكانت طبيعة الحياة والمعيشة متداخلة ضمن علاقات متباينة بين هذه الاقوام، الا انها لم تكن علاقات ودية على الدوام، بل كان الصراع يشكل جزءا اساسيا فى العلاقات القائمة بينهم. وكان الكرد والارمن والنساطرة والاشوريين والكلدان يتمتعون بحكم شبه ذاتى فى مناطقهم، فى زمن الخلافة العثمانية، ولايسببون مشاكل للحكومة المركزية فى استطنبول . وكانت مناطق الاكراد تدار من قبل رؤساء قبائلهم، مثلما تدار المناطق المسيحية عن طريق البطاركة. والباحث الالمانى باول وايت يقول (ان الصعوبات فى تعريف كلمة كرد تواجه الاكادميون منذ القدم، لايوجد هناك تعريف واحد تتفق عليه) وحتى المؤرخ مينورسكى يصف هذا المصطلح الكرد بالغامض والمبهم) هناك ثلاث نظريات حول اصل الكرد، ولكنها نظريات ضعيفة لايمكن الاعتماد والتركيز عليها لكى نصل للحقيقة التى مازالت ناقصة وغامضة وحتى مفقودة فى صفحات التاريخ. بعض المؤرخين يرجع اصل الكرد الى الهوريين سكان مملكة ميتانى سنة 1500 قبل الميلاد. ومنهم من يعتبر ان اغلب الاكراد من الميدين، وحتى بعض المؤرخين الاكراد يركزون على هذه النظرية بدون تقديم الدليل والاثبات على صحتها، حيث كانوا يعتبرون ان عصرهم الذهبى بدأ فى القرن السابع قبل الميلاد فى مملكة الميديين، فهذه النظرية اذن ضعيفة وحتى ربما مختلقة . ومع توسع الدراسات حول تاريخ الكرد بدأت تنعدم تدريجيا نظرية ارجاع اصل الكرد الى الميديين. ويقول برنارد لويس بهذا الصدد (لايزال تحديد اصل الاكراد موضع خلاف تاريخى، رغم ادعاء معظم اكاديمى الكرد على الاصل الميدى، الا ان هذا الادعاء يلاقى صعوبة فى الاثبات) والبعض الاخر يرجع اصولهم الى الاسكيتيين.فعليه يعود اصلهم على الارجح الى الشعوب والقبائل الفارسية. ويقول الاستاذ ب. م. هولت استاذ التاريخ العربى فى جامعة لندن فى كتابه تاريخ كامبرج للاسلام الصادر عام 1970 (ان الاكراد يطلق عليهم بدو الفرس). بينما يرى المؤرخ مورنى فى كتابه العراق بعد الفتح الاسلامى ( ان كلمة كرد تعنى قطاع الطرق)، وجاء فى كتاب الطبرى ان الكرد دلالة على الفلاحين ويذكر ماكدويل ان مصطلح الكرد يطلق على الشرائح الاجتماعية الخارجة على القانون والهاربة فى اعالى جبال زاكروس، ولفترة اكثر من الفى عام، ولم يكن يعنى اسما لقومية. وقد اعتمد فى ذلك من المصادر الاسلامية، واقوال بعض الرحالة الغربيين . من انه فى عصر الفتوحات الاسلامية كانت تسمع عادة معنى الكرد من خلال حوادث اللصوصية وقطاع الطرق ضد جيرانهم. ويقول ايضا (عدد كبير من الرحالة والمؤرخين منذ القرن الحادى عشر عرفوا مصطلح الكرد مرادفا لقاطعى الطرق، نفس المعنى استعمل من قبل الرحالة الاوربيون فى القرن التاسع عشر) وحتى الرحالة ماركو بولو وصفهم بالكارديس وهم لصوص عظماء. والسفير الايطالى جوسافا باربارو فى القرن الخامس عشر فى تبريز يصفهم بجماعات استثنائية مسلحة وقراهم مبنية فوق المرتفعات ليكتشفوا المسافرين الذين ينهبونهم. ويذكر المؤرخ كلاوديوس جيمس ريج فى كتابه (الاقامة فى كردستان) الذى قام برحلة الى شمال العراق عام 1920 الطبيعة العدوانية للكرد، ويدعى على انهم كانوا جيران مزعجين فى جميع العصور. ويصفهم ج.ب. فراسر فى كتابه (رحلة من قسطنطينية الى طهران فى الشتاء: ان مناطق الاكراد مضطربة وخطرة على الدوام، يتواجد فيها عشائر كردية همجية، وهم لصوص محترفون عادة وطباعا، وليست لديهم اية طاعة لاية جهة ماعدا احترام محدود لرؤسائهم الذين هم بدورهم لصوص وبكل مافى الكلمة من معنى مثل اتباعهم). ويصفهوم ايضا الرحالة اشيل كرانت فى كتابه (النسطورين والقبائل المفقودة) الذى صدر عام 1850 باللصوص والقتلة والقوم السفاحين. وحتى الكاتب م. واختر قال عنهم فى كتابه (رحلات فى بلاد فارس وجورجيا وكردستان) الصادر عام 1856، بأنهم لصوص محترفين، ويجمعون صفة الرعاة واللصوصية معا. وهؤلاء الاكراد نادرا مايصبحون اكثر امانا ومروضين ومؤتمنين. والجدير بالذكر انه يصفهم ايضا ببدو الفرس. فكلمة كرد اذن تعنى المجموعات البشرية التى تعيش فى الجبال، وتمارس عمليات السلب والنهب والسطو، والاعمال اللصوصية.
ومن المعلوم ان تلك المناطق التى سكنت فيها هذه القبائل المختلفة قد اختلط اصلها بالشعوب الاخرى فى التزاوج، وقد عاشت هذه القبائل البدائية وامتزجت بالثقافة الفارسية، وسيطر عليها الطابع الخرسانى، وعاشت منعزلة عن التحضر والتمدن، بعيدة عن الاحتكاك مع الاقوام والشعوب الاخرى، وليس لها لغة واحدة مشتركة مع تلك الشعوب ، واخذت هذه القبائل تنزح من جبل الى جبل حيث تمتد السلاسل الجبلية من غرب ايران الى المناطق الشمالية بالعراق، والى المناطق الشرقية من تركيا، اى ان مراكز استطيانهم كانت فى المناطق الجبلية فى شرق تركيا وغرب ايران وشمال العراق الشريط الحدودى . الا ان الرحالة جورج توماس كيبل يعتبر مدن العراق الواقعة على الحدود الايرانية قبل 180 عاما خالية من الكرد . وظلت تلك القبائل الكردية بعيدة عن المناوشات والحروب التى تقع بأستمرار فى المناطق والسهول المحيطة بهم، وذلك لصعوبة تضاريس الجبال حيث تكون عائقا منيعا فى صد الهجمات، او صعود المحاربين الى قمم هذه الجبال الشاهقة لمحاربة الكرد. وقد بدأت هذه الحملات الاستطيانية الكردية منذ حوالى 1500 عام، لان اكثر تلك المناطق الجبلية لم تكن مأهولة من السكان، وخاصة المناطق الجلبية الوعرة من شمال العراق، لان السكان الاصليين الاشوريين المسيحيين كانوا يسكنون المناطق السهلية لسهولة الزراعة والبناء والتنقل.
اذن المؤرخين المعاصرين يختلفون فى تحديد اصل الكرد. وقد ذكر المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد، ان كلمة الكرد لاتعنى اسما للعرق بل كان يطلق على المرتزقة البارتيين الساكنين فى جبال زاكروس. وبعض المؤرخين اشاروا الى ان اصلهم مشتق من الكردوخيين، كما جاء ذلك فى كتاب (الاكراد ملاحظات وانطباعات) للباحث مينورسكى الصادر عام 1915. وقد تغير هذا الاعتقاد فى الفترة الاخيرة ، لان الكردوخيين ليسوا من اصل ارى، بل يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون فى القسم الشرقى من بلاد الكردوخيين، جبال زاكوروس، هم من اجداد الكرد (مينورسكى ). اما المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد فأنه يرفض هذا الاستنتاج ويقول (ان اصطلاح كورتى كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين فى جبال زاكاروس، وانه ليس اكيدا اذا كانت تعنى لغويا اسما لعرق). اما عن علاقة الكردوخيين بالكورتيين فيرى مار انه من الامور التى يصعب الحكم عليها.
لقد روج الغرب فى بداية القرن العشرين لكلمة الكرد والشعور القومى الكردى، والغريب انهم بالغوا كثيرا فى تفسيرها، وعمموها الى جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، الذين لم تجمعهم لغة واحدة، وعنصر وعرق واحد، فمثلا اللغة السورانية التى يتكلم بها بعض الاكراد تختلف من حيث القواعد والكلمات عن اللغة الباديانية. فاللغة الفارسية اقرب الى السورانية. وهناك ايضا اللغة الكرمانجية والزازاكى فى تركيا تختلف عن باقى اللغات الكورانية والفيلية. وقد نشر الاستعمار البريطانى الافكار القومية بين الشعوب الاسلامية وذلك بهدف خلخلة اركان الامبراطورية العثمانية، ومحاربتها فى نهاية الامر. فظهر الشعور القومى عند العرب اولا، كما ظهر عند الكرد، ويقول ماكدويل ان الكرد ظهروا كقومية فى المنتصف الثانى من القرن التاسع عشر، بينما يرى المؤرخ برنارد لويس ان الشعور بالهوية الكردية وثم القومية ظهر فى بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطورا سريعا لعدة عوامل، منها اعتبار الامبراطورية البريطانية ان الكرد قضية امة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنها، وتعاطف الكتاب الغربيين مع الكرد، مما جعل الاكراد يبالغون فى وحدة اصلهم ولسانهم وتاريخهم ووطنهم. وان حداثة ظهور الكرد كقومية تحت الايحاء الغربى المبالغ فيه مما جعل الشعب الكردى يترك الحياة القبلية والبداوة فى المرتفعات والجبال الشاهقة، مما اوجد فى عقلية المثقف الكردى من نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم وعظمتها، وان وطنهم التاريخى الخيالى احتله العرب والفرس والاتراك. ويقول الباحث ماكدويل (انه من المشكوك فيه جدا ان يكون الاكراد يكونون مجتمع عرقى منطقى مترابط من ناحية النسب. عدم وجود ثقافة مدنية كردية وادب قومى كردى فى بدايات القرن العشرين كانت تعتبر من العوائق القاتلة فى تعريف الكرد كقومية. فى حالة الاكراد الشعور بالتماسك القومى ينبع من فكرة - من المحتمل زائفة - النسب واللغة المشتركة. يواجه الكرد هنا صعوبة عملية المبنية قسما على عدم وحدة اللغة، والحداثة فى نشوء الادب، وعدم استعمال كتابة واحدة). وهذا الشعور القومى الكردى الذى نمى بصورة غير طبيعية جعل من الاكراد يندفعون فى محاربة الدول التى يتواجدون فيها لارجاع مجدهم الضائع بعد ان اقنعهم وكذب عليهم الغرب بوجود وطن اجدادهم (كردستان)
واول من اطلق كلمة كردستان وخاصة فى مناطق سكناهم الاصلى فى ايران هو السلطان السلجوقى سنجر. فقد ذكر الباحث الغربى لى سترينج فى كتابه الاراضى فى شرق عصر الخلافات الصادر عام 1930 حيث يقول (فى وسط القرن السادس للهجرة، الثالث عشر ميلادى قسم السلطان السلجوقى سنجر مقاطعة الجبال الى قسمين، واعطى للقسم الغربى وبالتحديد المناطق الخاضعة لكرمنشاه اسم كردستان، وعين ابن اخيه سليمان شاه حاكما عليها). اما تسمية شمال العراق بكردستان العراق فيرجع الى القرن السابع عشر، عندما حاول الانكليز تجزئة الامبراطورية العثمانية. ويعتبر الكابتن البريطانى جون ماكدونلد كيز اول من اطلق مصطلح كردستان فى كتابه بعنوان (رحلة الى اسيا الصغرى وارمينيا وكردستان) عام 1818. ثم جاء بعده المقيم البريطانى فى بغداد كلاويدوس جيمس ريج، الذى يعتبر من الاوائل البريطانيين الذين زاروا شمال العراق، واطلق ايضا كلمة كردستان لاراضى عراقية، وعين حددودها فى كتابه (قصة الاقامة فى كردستان، وفى خرائب نينوى القديمة). وقد حدد بدقة حدود ماسماه بكردستان العراق. فيقول (حصلت من عمر اغا - احد اشراف الكرد فى السليمانية - القائمة الموجودة فى الحاشية جميع مقاطعات هذا القسم من كردستان، الذى يبدأ من حدود بغداد
بعض الكتاب الاكراد يحرفون الكلام من مواضعه، ويمارسون التضليل عندما ينقلون ابحاث الاوروبين حولهم، على الكاتب والباحث الكردى قبل ان يسرح فى افكاره ويسرد علينا قصص تاريخهم الناقص او المخفى، او ينقب بين ثنايا التاريخ، عليه الاعتماد اولا وقبل كل شىء على الحدث، وجلب الوثائق من بطون الكتب التاريخية، او شهادات الشهود، الاموات منهم والاحياء، لان كل هذه الاشياء الضرورية هى عماد الوقائع المطروحة على بساط البحث، وبدون وجود جرد وكشف للاحداث فى احشاء الكتب القديمة يصبح الاستشهاد بأحداث لاصحة لها، ومن وحى خيالهم، مجرد قصص واساطير وخزعبلات طريفة للتسلية والترويج عن النفس، او الدفاع عن قوم ممن تهوى الانفس، وتعشق القلوب. وان وقائع التاريخ والتلاعب فيه شىء يمكن كشفه بكل بساطة ويسر، لاننا لانستطيع المرور عليه مرور الكرام استنادا الى هوى هذا او عشق ذلك. وسوف نغوص كثيرا فى تاريخ هذه العصابات العشائرية الكردية، ونكشف معالمها واصولها واساليبها الملتوية فى تزوير التاريخ لصالحها. لان اكثر الباحثيين الاوروبين اختلفوا فى اصل الكرد، ومنهم من ذكر انهم ابناء الميديين الذين استوطنوا فى جبال زاكروس الواقعة فى ايران، قبل 2000 سنة. وعندما سمع بعض المثقفين الكرد بهذه المقولة نقلوا الكلام بصورة اخرى، ان الباحث يقصد ان الكرد سكنوا العراق قبل 2000 سنة. ومن مهازل هؤلاء الكتاب الاكراد الذين هم من هذا الطراز، فقد كتب احدهم فى جريدة الاتحاد التابعة للحزب الوطنى الكردستانى مقالا عن تاريخ الكرد ان السومريين كانوا من الكرد. لقد كان السومريون والبابليون والاشوريون من الاقوام السامية، ومعلوم ان السومريين هم اقوام نزحت من شبه الجزيرة العربية واستوطنت جنوب العراق منذ حوالى 6000 سنة، وهذا يعنى ان هذه الاقوام جذورها عربى الاصل. بينما الاكراد هم من العنصر الارى. اذن العراق عربى الموطن منذ حوالى 12 الف عاما. وبداية تكوين اول الاقوام الهندو - ارية التى ينتمى الكرد اليها فى ايران بحدود 2500 سنة. كما ذكر المستشرق كارا بروكلمان فى كتابه تاريخ الشعوب. ومنهم من يدعى ان الكرد متواجدين فى العراق منذ زمن النبى ابراهيم عليه السلام اعتمادا على اقوال ذكرها المؤرخ الكبير الطبرى، عندما اوصى كردى منهم بحرق النبى ابراهيم فى النار. وماذكره الطبرى هو استنتاج لايمكن الاعتماد عليه والاخذ به بدون تقديم الدلائل والاثباتات على صدق هذه الواقعة. ومنهم من يعتقد ان ابراهيم هو بذاته كردى الاصل.
ان هذا الشعور المزمن بالتعصب تراكم فى نفوسهم، مما ادى الى نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم الارى، متأثرين بالتعاطف من قبل الباحثين والكتاب الغربيين معهم، ونشوء الفكرة القومية التى ابتدعها الفكر الغربى، مما جعل الكردى ان يبالغ فى وحدة اصله ولسانه وشعبه وتاريخه وارضه، وهذا الايحاء الغربى الذى انتشر فى عقلية الكتاب والمثقفين الاكراد ونمى على ان ارض الاجداد التاريخية احتله الاتراك والفرس والعرب منذ القدم، وراحوا يؤسسون هذه الاوهام فى مخلية اطفالهم حول تاريخهم المنسى، ووطنهم المسلوب. وعندما ننتقد هذه الافكار والتصورات الكردية المبالغ فيها يتهمنا البعض منهم بتهمة العنصرية والشوفينية، والحقد على الاكراد وقادتهم، وهذه الاتهامات تطلق من ابواق عملاء الاحتلال، وبعض الاقلام الكردية الانتهازية، واصحاب المواقع الالكترونية. وهم يدعون ان الشعور القومى جمعهم منذ زمن بعيد، فى تحقيق حلمهم الكردستانى، الا ان الظروف لم تكن مواتية انذاك لتحقيق حلمهم فى تأسيس دولتهم القومية بسبب وجود الاحتلال الفارسى والعثمانى على اراضيهم الكردية المغتصبة. الا ان التاريخ يدحض هذه الفرية، لان تاريخ هذه القبائل الكردية المتعددة بدأ يأخذ معناه القومى فى منتصف القرن التاسع عشر، لان الظروف الاجتماعية والسياسية القاسية التى مرت بها هذه الاقوام الساكنة فى قمم الجبال التى لم تجمعهم لغة واحدة وعنصر واحد تنصهر فى بوتقة واحدة، وتتخذ هوية الكرد كقومية لها رغم اختلافاتهم اللغوية والعرق والثقافة. وهذا مما حدى بالقيادات الكردية العشائرية ان تنزل من الجبال وتنتشر فى السهول لكى تمارس السياسة والصدام مع الاقوام الاخرى، بعد ان اصبح لهذه المجموعات الجبلية شعورا موحدا اجتماعيا وسياسيا، وتجمعهم قومية اثنية وعرقية فى الاراضى التى سكنوا فيها.
والاستعمار الغربى بالغ كثيرا فى ترديد كلمة الكرد وعمموها على جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، بعد ان كانت الكلمة تعنى المجموعات البشرية التى تعيش فى الجبال، وبمرور الزمن شعرت هذه المجموعات بالغبن وقع عليها، فراحت تكون لنفسها حسا نفسيا مشترك على اساس اجتماعى وسياسى، وشعور واحد متجانس، ومحاولة ايجاد كيانات سياسية لهم بكل الطرق والوسائل ضد الدول التى تعيش فى كنفها. ومعلوم ان القضية الكردية برزت على الصعيد الدولى فى اعقاب الحرب العالمية الاولى، وكانت وسيلة استعمارية لاْثارة النعرات الطائفية والقومية بين الشعوب الاسلامية. والشعور القومى الكردى الذى انتشر عند المثقفين الاكراد جعلهم يعتقدون ان الاقوام الاخرى التى تحيط بهم هم من اصول كردية، وخاصة اليزيدين فى شمال العراق، ويجب ربطهم بالعشائر الجبلية. واليزيديين عندهم اعتقاد على انهم جاءوا فى الاصل من البصرة، وسكنوا بعد الهجرة فى سوريا، وبعد ذلك نزحوا الى جبل سنجار، ومازال الطابع العربى يطلق على ملابسهم وتقاليدهم، كما ذكر الباحث الانكليزى لايارد. واخذت القبائل الكردية القوية فى السيطرة على القبائل الاخرى الضعيفة، واحتوائها فى تكوين كيان كردى واحد.
ويشير ماكدويل الى ان الغموض فى فهم التكوين العشائرى الكردى واضحة فى الاصطلاحات التى تستعمل من قبل الكرد، والمأخوذة من العربية والتركية والفارسية فى الاشارة الى المجاميع العشائرية، لان الكثيرين من الاشوريين والسريان الارثودوكس قد تحولوا الى الكرد فى بداية الفترة الاسلامية من خلال معايشة بعضها البعض، وحتى العشائر الكردية التى تنحدر من الاصل الارمنى فكثيرة. فعشائر الجلاليين الكردية كانت ارمنية الاصل، والتى تتكون من ثمانية عشائر كبيرة، اصبحوا اكراد بعد ان اسلموا فى القرن التاسع عشر. ويقول ماكدويل ان عشيرة ماماكانلى قد استكردت فى القرن السادس عشر بعد ان دخلت فى الدين الاسلامى. وحتى ان الكثير من القبائل التركمانية الذين كانوا يسكنون المناطق الجبلية فى شمال العراق قد تحولوا الى الكردية (ماكدويل، وفان براونس، وريج) اما عشيرة الرواديد فأن ماكدويل يعتبرهم من احدى العشائر العربية الكثيرة التى استكردت مع مرور الزمن. وقد نزحت هذه العشيرة العربية الى المنطقة الكردية فى بدايات العصر العباسى 750 ميلادية ، والذين اصبحوا اكرادا فى خلال 200 سنة، واسسوا امارة الرواديد. ويعتبر ريج ان عشيرة زنكنة الكبيرة ليسوا اكرادا.
وقد استمرت الدول الغربية فى دعمها المتواصل للاقوام والعشائر الجبلية، بعد ان اصبحت كلمة كرد تعنى القومية واللغة والشعور المشترك. ظهرت بعض الاقلام لكتاب الانشاءات، وراحوا يفرغون مابجعبتهم من رخيص الادعاءات والمغالطات البعيدة عن الموضوعية والاقرب الى التفاهة. وتتكاثر اقلامهم واصواتهم الكردية، وتكثف حملتها هذه الايام بعد اعلان حكومتهم الكردية فى شمال العراق السليب فى ايجاد اسس ومواقع تاريخية لوجود الاكراد فى العراق، من خلال تزوير وقائع التاريخ، وايجاد جذور قومية او استيطانية فى شمال العراق. وهم يعلمون ان التاريخ يجسد حقائق ثابتة لاغبار عليها، ولايمكن التلاعب بنصوصها، وهى مرة كالعلقم بالنسبة لوجودهم الحديث فى شمال العراق المحتل (
الحلقة الثانية).
منقول للفائدة
مع تحيات chachine
google_protectAndRun("render_ads.js::google_render_ad", google_handleError, google_render_ad);