{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }
قوله تعالى: {صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً}. [138].
قال ابن عباس: إن النصارى كان إذا وُلِدَ لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له: المعمودي، ليطهروه بذلك، ويقولون: هذا طهور مكان الختان. فإذا فعلوا ذلك [قالوا: الآن] صار نصرانيَّاً حقَّاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
قوله تعالى: {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ} الآية. [142].
نزلت في تحويل القبلة.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر، وأخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا الحسن بن محمد بن مصعب، حدَّثنا يحيى بن حكيم، حدَّثنا عبد الله بن رجاء، حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء قال:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المدينة فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب أن يُوَجّه نحو الكعبة - فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ} إلى آخر الآية. وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود -: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قال الله تعالى: {قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ} إلى آخر الآية.
رواه البخاري عن عبد الله بن رجاء.
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ...} [143].
قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زُرَاةَ، وأبو أمَامَةَ أحَدُ بني النّجار، والبَرَاء بن مَعْرُور أحد بني سلمة، وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية.
{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }
قال: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ}. [144].
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لجبريل عليه السلام: وَدِدْتُ أَنَّ الله تعالى صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها - وكان يريد الكعبة لأنها قبلة إبراهيم - فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئاً، فسل ربك أن يحولك عنها إلى قبلة إبراهيم. ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدَّثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدَّثنا أبو هشام الرفاعي، حدَّثنا أبو بكر ابن عياش، حدَّثنا أبو إسحاق، عن البَرَاء قال:
صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد قدومه المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس، ثم علم الله عز وجل هوى نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص.
ورواه البخاري عن أبي نعيم عن زهير، كلاهما عن أبي إسحاق.
{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ...} الآية. [146].
نزلت في مؤمني أهل الكتاب: عبد الله بن سَلاّم وأصحابه، كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنعته وصفته ومبعثه في كتابهم؛ كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان.
قال عبد الله بن سلام: لأنا [كنت] أَشدَّ معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، مني بابني. فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا ابن سلام؟ قال: لأني أشهد أن محمداً رسول الله حقاً يقيناً، وأنا لا أشهد بذلك على ابني؛ لا أدري ما أحدث النساء. فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام.
{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }
قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ} الآية. [154].
نزلت في قتلى بدر [من المسلمين]، وكانوا بضعة عشر رجلاً: ثمانيةً من الأنصار، وستة من المهاجرين: وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها. فأنزل الله هذه الآية.
{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }
قوله تعالى: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ} الآية [158].
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدَّثني مصعب بن عبد الله الزُّبَيْرِي، حدَّثنا مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:
أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يحجون لِمَنَاةَ، وكانت مناة حَذْوَ قُدَيْدٍ وكانوا يتحرَّجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.
وأخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل العسكري، حدَّثنا يحيى وعبد الرحمن، عن هشام، عن أبيه عن عائشة، قالت: أنزلت هذه الآية في ناس من الأنصار كانوا إذا أهلوا [أهلوا] لمناة في الجاهلية، ولم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما قدموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحج ذكروا ذلك له. فأنزل الله تعالى هذه الآية. رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن هشام [عن أبيه، عن عائشة].
وقال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا والمروة؛ لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، فتركناه في الإسلام. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال عمرو بن حُبْشِي: سألت ابن عمر عن هذه الآية فقال: انطلق إلى ابن عباس فسله، فإنه أعلم مَنْ بقي بما أنزل [الله] على محمد صلى الله عليه وسلم. فأتيته فسألته فقال: كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له: إسَافٌ، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة؛ زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين، فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما. فلما طالت المدة عُبِدَا مِنْ دون الله تعالى. فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا [على] الوثنين. فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام، كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال السُّدِّي: كان في الجاهلية تَعْزِفُ الشياطين بالليل بين الصفا والمروة، وكانت بينهما آلهة. فلما ظهر الإسلام قال المسلمون: يا رسول الله، لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البَزّاز، أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان، أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب، أخبرنا محمد بن بكار، حدَّثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن أنس بن مالك، قال:
كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا والمروة، وكانا من شعائر الجاهلية، وكنا نتقي الطواف بهما. فأنزل الله تعالى: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية.
رواه البخاري عن أحمد بن محمد، عن عاصم.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }
قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ}. [159].
نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم وأَمْرَ محمد صلى الله عليه وسلم.
{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} الآية. [164].
أخبرنا عبد العزيز بن طاهر التميمي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا أبو عبد الله الزيادي، حدَّثنا موسى بن مسعود النَّهْدِي، حدَّثنا شبل، عن ابن أبي نَجيح، عن عطاء قال:
أنزل بالمدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ}. فقالت كفار قريش بمكة: كيف يسع الناسَ إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ} حتى بلغ: {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
أخبرنا أبو بكر الأصبهاني، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان [العسكري]، حدَّثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن أبيّ الضُّحَى قال:
لما نزلت هذه الآية: {وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} تعجب المشركون وقالوا: إله واحد! إن كان صادقاً فليأتنا بآية. فأنزل الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} إلى آخر الآية.
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }
قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}. [168].
قال الكلبي [عن أبي صالح]: نزلت في ثقيف، وخُزَاعَةَ، وعامر بن صَعْصَعَةَ حرّموا علي أنفسهم من الحَرْث والأنعام، وحرَّمُوا البَحِيْرَةَ والسَّائبَةَ والَوَصِيلَةَ والحامِيَ.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ...} [174].
قال الكلبي عن [أبي صالح عن] ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سِفْلَتِهِم الهدايا [والفُضُول]، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم. فلما بُعِثَ من غيرهم خافوا ذَهاب مَأْكَلَتِهم، وزوال رياستهم. فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم، فغيروها، ثم أخرجوها إليهم وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة. فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفاً لصفة محمد، فلا يتبعونه.
{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }
قوله تعالى: {لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} الآية. [177].
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن رجلاً سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم، عن البِرِّ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قال: وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إِله إِلاَّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم مات على ذلك - وجبت له الجنة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى} الآية. [178].
قال الشعبي: كان بين حَيَّين من أحياء العرب قتال، وكان لأحد الحيين طَوْلٌ على الآخر، فقالوا: نقتل بالعبد منا الحُرَّ منكم، وبالمرأة الرجل. فنزلت هذه الآية.
{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ...}. [187].
قال ابن عباس في رواية الوَالبي: وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حَرُمَ عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا من الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم: عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية.
أخبرنا أبو بكر الأصفهاني، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدَّثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان العسكري، حدَّثنا يحيى بن [أبي] زائدة، حدَّثني أبي وغيره، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء بن عازب قال:
كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويمسون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلى مثلها [من القابلة]. إن قيس بن صِرْمَة الأنصاري كان صائماً، فأتى أهله عند الإفطار فانطلقت امرأته تطلب شيئاً وغلبته عينه فنام، فلما انتصف النهار من غد غشي عليه. قال: وأتى عمر امرأته وقد نامت، فذكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، فنزل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ} إلى قوله: {مِنَ ٱلْفَجْرِ} ففرح المسلمون بذلك.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، حدَّثنا الزعفراني، حدَّثنا شبابة، حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَرَاءِ قال:
كان أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صِرْمَة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلُبُ لك؛ وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه وجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك. فأصبح صائماً، فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ} ففرحوا بها فرحاً شديداً.
رواه البخاري عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن الفضل، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا هشام بن عمار، حدَّثنا يحيى بن حمزة، حدَّثنا إسحاق بن أبي فَرْوَة، عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال:
إن بدء الصوم: كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء، فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب. حتى جاء عمر إلى امرأته فقال: إني قد نمت، فوقع بها. وأمسى صِرْمَة بن أنس صائماً فنام قبل أن يفطر - وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا - فأصبح صائماً وكاد الصوم يقتلهم، فأنزل الله عز وجلّ الرخصة، قال: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمر الحبري، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا ابن أبي مريم. أخبرنا أو غَسّان. حدَّثني أبو حازم، عن سهل بن سَعْد قال:
نزلت هذه الآية: {وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ ٱلْفَجْرِ} فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رُؤْيَتَهُما فأنزل الله تعالى بعد ذلك: {مِنَ ٱلْفَجْرِ} فعلموا [أنه] إنما يعني بذلك الليل والنهار.
رواه البخاري عن ابن أبي مريم.
ورواه مسلم، عن محمد بن سهل، عن ابن أبي مريم.
{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ} الآية، [188].
قال مقاتل بن حيان: نزلت هذه الآية في امرىء القيس بن عابس الكندي وفي عبدان بن أشوع الحَضْرَمي، وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في أرض، وكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فحكّم عبدان في أرضه ولم يخاصمه.