{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ} الآية [219].
نزلت في عمر بن الخطاب، ومُعَاذ بن جبل، ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مَذْهَبَةٌ للعقل مَسْلَبَةٌ للمال، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ} الآية. [220].
أخبرنا أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السرّاج، حدَّثنا الحسن بن المُثَنَّى بن معاذ، حدَّثنا أبو حُذَيْفَة موسى بن مسعود، حدَّثنا سفيان الثَّوْرِي، عن سالم الأَفْطَس، عن سعيد بن جُبَيْر قال:
لما نزلت: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً} عزلوا أموالهم [عن أموالهم] فنزلت: {قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فخلطوا أموالهم بأموالهم.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد، أخبرنا أبو علي الفقيه، أخبرنا عبد الله بن محمد البَغوي، حدَّثنا عثمان بن أبي شَيْبَة، حدَّثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
لما أنزل الله عز وجل: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} و {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً} انطلق من كان عنده مال يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، وجعل يَفْضُلُ الشيء مِنْ طعامه فَيُحْبَسُ له حتى يأكله أو يَفْسُد، واشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فَتَخْلِطُوا طعامهم بطعامكم وشرابهم بشرابكم.
{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ} الآية. [221].
أخبرنا أبو عثمان بن أبي عمرو الحافظ، أخبرنا جدي [أخبرنا] أبو عمرو أحمد بن محمد الجُرَشي، حدَّثنا إسماعيل بن قُتَيْبَة، حدَّثنا أبو خالد، حدَّثنا بُكَيْر بن معروف، عن مقاتل بن حيان قال:
نزلت في أبي مَرْثَد الغَنَوِي: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم، في عَنَاق أن يتزوجها، وهي امرأة مسكينة من قريش، وكانت ذات حظ من جمال، وهي مشركة، وأبو مرثد مسلم، فقال: يا نبي الله، إنها لتعجبني، فأنزل الله عز وجل {وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ}.
أخبرنا أبو عثمان، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عمرو بن حماد، حدَّثنا أَسْبَاط، عن السُّدِّي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في هذه الآية قال:
نزلت في عبد الله بن رَوَاحَة، وكانت له أمة سوداء، وإنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فَزَعَ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هي يا عبد الله؟ فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي تصوم وتصلّي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله. فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة. فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق [نبياً] لأُعْتِقَنَّها ولأتزوجنها ففعل، فطعن عليه ناسٌ من المسلمين فقالوا: نكح أمَةً! وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل الله تعالى فيهم: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} الآية.
وقال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث رجلاً من غَنِيّ يقال له: مرثد بن أبي مرثد، حليفاً لبني هاشم، إلى مكة ليخرج نَاساً من المسلمين بها أُسَرَاء، فلما قَدِمَها سمعت به امرأة يقال لها: عَنَاق، وكانت خليلة له في الجاهلية، فلما أسلم أعرض عنها، فأتته فقالت: ويحك يا مرثد ألا نخلو؟ فقال لها: إن الإسلام قد حال بيني وبينك وحرمه علينا، ولكن إن شئت تزوجتك، إذا رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، استأذنته في ذلك ثم تزوجتك. فقالت له أبي تتبرم؟ ثم استغاثت عليه فضربوه ضرباً شديداً، ثم خلوا سبيله. فلما قضى حاجته بمكة انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، راجعاً وأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وما لقي في سببها، فقال: يا رسول الله أيحل لي أن أتزوجها. فأنزل الله ينهاه عن ذلك قوله: {وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ}.
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ} الآية. [222].
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، حدَّثنا محمد بن مِشْكَان، حدَّثنا حيان، حدَّثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أنس:
أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يُؤَاكِلُوهَا ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ} إلى آخر الآية.
رواه مسلم عن زهير بن حرب، عن عبد الرحمن بن مَهْدِي، عن حماد.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخَشَّاب، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدَّثنا أبو عِمْرَان موسى بن العباس الجُوَيْنِي، حدَّثنا محمد بن عبيد الله بن يزيد القَرْدُوَاني الحَرَّاني، حدَّثني أبي، عن سَابق بن عبد الله الرّقِّي، عن خُصَيْف، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر [بن عبد الله]، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} قال:
إن اليهود قالت: من أتى امرأته من دبرها كان ولده أَحْوَل، فكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهم، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض، وعما قالت اليهود، فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ} يعني الاغتسال {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ} يعني القُبُل {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} فإنما الحرث حيث ينبت الولد ويخرج منه.
وقال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة [منهم] لم يُؤاكلوها ولم يشاربوها، ولم يساكنوها في بيت، كفعل المجوس، فسأل أبو الدَّحْدَاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: يا رسول الله ما نصنع بالنساء إذا حضن. فأنزل الله هذه الآية.
{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
قوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} الآية [223].
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أخبرنا حاجب بن أحمد، حدَّثنا عبد الرحيم بن مُنِيب، حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، أنه سمعَ جابرَ بن عبد الله يقول:
كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزل: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ}.
رواه البخاري عن أبي نعيم.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن سفيان.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الخَلالي، أخبرنا عبد الله بن زيد البجلي، حدَّثنا أبو كُرَيب، حدَّثنا المُحَارِبي، عن محمد بن إسحاق عن أبان بن مسلم، عن مجاهد قال:
عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عَرْضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته، أُوقِفُه عند كل آية منه فأسأله عنها حتى انتهى إلى هذه الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} فقال ابن عباس: إنّ هذا الحيّ من قريش كانوا يَشْرَحُون النساء [بمكة]، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات؛ فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نُؤَتى عليه. فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} قال: إن شئت مقبلة، وإن شئت مدبرة، وإن شئت باركة؛ وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث. يقول: ائت الحرث حيث شئت.
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي زكريا العَنْبَرِي، عن محمد بن عبد السلام، عن إسحاق بن إبراهيم، عن المُحَارِبي.
أخبرنا سعيد بن محمد الحيّاني، أخبرنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أخبرنا أبو القاسم البَغَوي، حدَّثنا علي بن جَعْد، حدَّثنا شعْبَة، عن محمد بن المُنْكدِر، سمعت جابراً قال:
قالت اليهود: إن الرجل إذا أتى امرأته باركة كان الولد أحول، فأنزل الله عز وجل: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} الآية.
أخبرنا سعيد بن محمد الحيّاني، أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون، أخبرنا أحمد بن الحسن بن الشَّرَقي، حدَّثنا أبو الأزْهَر، حدَّثنا وهب بن جرير، حدَّثنا أبو كريب، قال: سمعت النعمان بن راشد [يحدث عن الزُّهْرِي] عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال:
قالت اليهود: إذا نكح الرجل امرأته مُجَبِّيَةً جاء ولدها أحول، فنزلت {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} إن شاء مُجَبِّيَة وإن شاء غير مُجَبِّيَة، غير أن ذلك في صمام واحد.
رواه مسلم عن هارون بن معروف، عن وهب بن جرير.
قال الشيخ أبو حامد بن الشرقي: هذا حديث جليل يساوي مائة حديث، لم يروه عن الزهري إلاَّ النعمان بن راشد.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الْمطَوِّعِيُّ، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو علي، حدَّثنا زهير، حدَّثنا يونس بن محمد، حدَّثنا يعقوب القُمِّي، حدَّثنا جعفر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال:
جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت. فقال: وما الذي أهلكك؟ قال: حوّلت رَحْلِي الليلة، قال: فلم يرد عليه شيئاً، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} يقول: أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني، أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عثمان، حدَّثنا المحاربي عن ليث، عن أبي صالح، عن سعيد بن المسيب: أنه سئل عن قوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} قال: نزلت في العزل.
وقال ابن عباس في رواية الكلبي:
نزلت في المهاجرين لما قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم، والأنصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن، إذا كان المأتي واحداً في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة، وقالوا: إنا لنجد في كتاب الله في التوراة أنّ كل إتيان يؤتي النساء غير مستلقيات دَنَسٌ عند الله ومنه يكون الحول والخبل. فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا. وإن اليهود عابت علينا ذلك وزعمت لنا كذا وكذا. فأكذب الله تعالى اليهود ونزل عليه يرخص لهم {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} يقول: الفرج مزرعة للولد {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} يقول: كيف شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج.
{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ}. [224].
قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رَوَاحَة ينهاه عن قطيعة خَتَنِه بشير بن النعمان، وذلك أن ابن رَوَاحَة حلَف أن لا يدخل عليه أبداً، ولا يكلمه، ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل ولا يحل [لي] إلا أن أبَرَّ في يميني فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} الآية. [226].
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدَّثنا مسلم بن إبراهيم، حدَّثنا الحارث بن عبيد، حدَّثنا عامر الأحول، عن عطاء، عن ابن عباس قال:
كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فَوَقّتَ الله أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤُه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء.
وقال سعيد بن المُسَيَّب: كان الإيلاء [من] ضرار أهل الجاهلية: كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، وكان يتركها كذلك لا أيِّماً ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الأجلَ الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعةَ أشهر، وأنزل الله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} الآية.
{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
قوله تعالى: {ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} الآية. [229].
أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدَّثنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه:
كان الرجل إذا طلّق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأة فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارَفَتْ انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها، وقال: والله لا آويك إليّ ولا تحلين أبداً. فأنزل الله عز وجل: {ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
أخبرنا أبو بكر التَّمِيمِي، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان [الأَبْهَري] حدَّثنا محمد بن إبراهيم الحَزَوَّرِي، حدَّثنا محمد بن سليمان، حدَّثنا يَعْلَى المكيِّ مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
أنها أتتها امرأة فسألتها عن شيء من الطلاق. قالت: فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت فنزلت: {ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} الآية. [232].
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر [بن] الغازي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين، حدَّثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدَّثنا أبي، حدَّثنا إبراهيم بن طهمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ} الآية. قال:
حدَّثني مَعْقِل بن يَسَار أنها نزلت فيه. قال: كنتُ زوَّجت أختاً لي من رجل، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك وأَفْرَشْتُك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها أبداً. قال: وكان رجلاً لا بأس به، فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقلت: الآن أفْعَلُ يا رسول الله، فزوجتها إِياه.
رواه البخاري عن أحمد بن حفص.
أخبرنا الحاكم أبو منصور محمد بن محمد المَنْصُوري، حدَّثنا علي بن عمر بن مهدي، حدَّثنا محمد بن عمرو [بن] البختري، حدَّثنا يحيى بن جعفر، حدَّثنا أبو عامر العُقَدِي، حدَّثنا عباد بن راشد، عن الحسن قال: حدَّثني مَعْقِل بن يَسَار قال:
كانت لي أخت فَخُطِبَت إِليَّ: وكنت أَمْنَعُها الناسَ، فأتاني ابن عم لي فخطبها فأنكحتها إياه، فاصطحبها ما شاء الله، ثم طلقها طلاقاً له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فخطبها مع الخُطَّاب، فقلت: مَنَعْتُها الناسَ وزوجتك إياها ثم طلقتها طلاقاً له رجعة، ثم تركتها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إليّ أتيتني تخطبها، لا أزوجك ابداً، فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية. فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النَّصْرَاباذيّ حدَّثنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن مَاسِي البَزَّاز، حدَّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري، حدَّثنا حَجَّاج بن مِنْهَال، حدَّثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن:
أن مَعْقِل بن يَسَار زوّج أخته من رجل من المسلمين، وكانت عنده ما كانت، فطلقها تطليقة ثم تركها ومضت العدة فكانت أحقّ بنفسها، فخطبها مع الخطاب فرضيتْ أن ترجع إليه، فخطبها إلى مَعْقِل بن يَسَار، فغضب معقل وقال: أكرمتك بها فطلقتها، لا والله لا ترجع إليك بعدها.
قال الحسن: علم الله حاجة الرجل إلى امرأته وحاجة المرأة إلى بعلها، فأنزل الله تعالى في ذلك القرآن: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ} إلى آخر الآية.
قال: فسمع ذلك مَعْقِل بن يسار فقال: سمعاً لربي وطاعة، فدعا زوجها فقال: أزوجك وأكرمك. فزوجها إياه.
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الشاهد، أخبرنا جدي، أخبرنا أبو عمرو الحِيرِي، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عمرو بن حماد، حدَّثنا أسباط، عن السُّدِّي عن رجاله قال:
نزلت في جابر بن عبد الله الأنصاري، كانت له بنت عم فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر، وقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها [الثانية]؟ وكانت المرأة تريد زوجها قد رضيت به، فنزلت فيهم الآية.
{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} الآية. [240].
أخبرني أبو عمر محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه، أخبرنا أبو الفضل [محمد بن الحسين] الحدادي، أخبرنا محمد بن يحيى بن خالد، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثت عن [مقاتل] بن حيان في هذه الآية:
ذاك أن رجلاً من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء، ومعه أبواه وامرأته، فمات بالمدينة، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطى الوالدين، وأعطى أولاده بالمعروف، ولم يعط امرأته شيئاً، غير أنه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول.
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} [256].
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدَّثنا يحيى بن حكيم، حدَّثنا ابن أبي عدي عن شُعْبَة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال:
كانت المرأة من نساء الأنصار تكون مِقْلاَةً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تُهَوِّدَه فلما أُجْلِيَت النَّضِير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا. فأنزل الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ}. الآية.
أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدَّثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} قال:
كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف لئن عاش لها ولد لَتُهَوِّدَنَّهُ، فلما أُجْلِيَتْ بنو النَّضِير إِذَا فيهم أناس من [أبناء] الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول الله، أبناؤنا، فأنزل الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ}.
قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان له غلام أسود يقال له: صُبيَح، وكان يكرهه على الإِسلام.
وقال السُّدي: نزلت في رجل من الأنصار يكنى أَبا الحُصَين، وكان له ابنان، فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الرجوع من المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية، فتنصرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اطلبهما، فأنزل الله عز وجل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبعدهما الله، هما أول من كفر. قال: وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتال أهل الكتاب، ثم نسخ قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وقال مسروق: كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما، فلزمهما وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأ،زل الله عز وجل: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ} فخلى سبيلهما.
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عَبْدُوس، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محفوظ، حدَّثنا عبد الله بن هاشم، حدَّثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال:
كان ناس مسترضعين في اليهود: قُرَيْظَةَ والنَّضِير، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بإجلاء بني النضير، قال أبناؤهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم: لنذهبن معهم، ولنَدينَنَّ بدينهم، فمنعهم أهلهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} الآية.
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ} الآية [260].
ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى:
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا شعبة بن محمد، أخبرنا مكي بن عبدان، حدَّثنا أبو الأزهر، حدَّثنا روح، حدَّثنا سعيد، عن قتادة قال:
ذكِرَ لنا: أن إبراهيم آتى على دابة ميتة وقد توزعتها دواب البر والبحر، فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى؟
وقال الحسن، وعطاء الخراساني، والضحاك، وابن جريج: [إن إبراهيم الخليل مر على دابة ميتة، قال ابن جريج]: كانت جيفة حمار بساحل البحر. قال عطاء: بحيرة طبرية. قالوا: فرآها وقد توزَّعتها دواب البر والبحر، فكان إذا مَدَّ البحرُ جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها، فما وقع منه يصير في الماء؛ وإذا جَزَرَ البحرُ جاءت السباع فأكلت منها، فما وقع منها يصير تراباً؛ فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها، فما سقط قطعته الريح في الهواء. فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها، وقال: يا رب قد علمت لتجمعنها، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك.
وقال ابن زيد: مرّ إبراهيم بحوت ميت، نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان منه في البر فدواب البر تأكله؛ فقال له إِبليس الخبيث: متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء؟ فقال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بذهاب وسوسة إبليس منه.
أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني فيما أذن لي في روايته، حدَّثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا محمد بن سهل، حدَّثنا سلمة بن شبيب، حدَّثنا إبراهيم بن الحكم بن ابان، حدَّثنا أبي قال:
كنت جالساً مع عكرمة عند الساحل، فقال عكرمة: إِن الذين يغرقون في البحار تَقَسَّمُ الحيتان لحومهم، فلا يبقى منهم شيء إلا العظام، فتلقيها الأمواج على البر فتصير حائلَةً نَخِرَةً، فتمر بها الإبل فتأكلها فتبعر، ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون فتخمد تلك النار، فتجيء ريح فتسفي ذلك الرماد على الأرض، فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء، وذلك قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ}.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: إِن إِبراهيم لما احتج على نمروذ فقال: ربي الذي يحيي ويميت. وقال نمروذ أنا أحيي وأميت؛ ثم قتل رجلاً وأطلق رجلاً قال: قد أمت ذلك وأحييت هذا. قال له إبراهيم: فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت، فقال له نمروذ: هل عاينت هذا الذي تقوله؟ فلم يقدر أن يقول: نعم رأيته، فانتقل إلى حجة أخرى، ثم سأل ربه أن يريه إِحياء الموتى لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج، فإنه يكون مخبراً عن مشاهدة وعيان.
وقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي: لما اتخذ الله إِبراهيم خليلاً استأذن ملك الموت ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك، فأتاه فقال: جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلاً، فحمد الله عز وجل وقال: ما علامة ذلك؟ فقال: أن يجيب الله دعاءك، ويحيي الموتى بسؤالك، ثم انطلق وذهب، فقال إِبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك؛ وأنك اتخذتني خليلاً.